استعادة الذاكرة لمواجهة مشروع السلالة
أخبار وتقارير / 2022-12-12 02:06:35 / منتدى معد كرب القومي - خاص
عبدالله اسماعيل
مفتتح
الذاكرة التاريخية لها دور أساس في الاحتفاظ بتجارب الشعوب والاستفادة منها، وفي تشكيل الوعي والحفاظ على الهوية، فالشعوب التي تفقد المعرفة بتاريخها، تجد صعوبة في فهم الحاضر وتجاوز إشكالياته، وخاصة تلك المرتبطة بذلك الماضي أو بنيت عليه، أو كما قال الأديب المصري د. محمد المنسي قنديل: هناك لحظات تفقد فيها الشعوب ذاكرتها، وعندما تفقد ذاكرتها تفقد حاضرها وتاريخها وشخصيتها أيضًا..
ذاكرة الشعوب الجمعية (عا. ئلية أو وطنية أو د. ينية) هي من ترسم ملامح تطوره ومراحل تجلياته الحالية، سلبًا أو إيجابًا، وكلما كانت تلك الذاكرة حاضرة، زادت الشعوب قدرة على تفسير الظواهر، ومعالجة الاختلالات، وعدم إعادة تكرار التجارب التي كان لها التأثير المناقض لمسيرتها وقدرتها على الوصول إلى المستقبل، والتعامل مع اختلالات تعتبر امتدادًا طبيعيًا للماضي.
في الحالة الوطنية، تعتبر الذاكرة الشعبية، مصدر دروس متجددة، وسبل استخلاص تاريخية، توضح ارتباط احتمالات الحاضر بأحداث الماضي، وتعطي رؤية مناسبة لبناء مستقبل، متحرر إلى حد بعيد من احباطات الماضي وتجاربه المعطلة لحركة المجتمع وقدرته على التطور والبناء.
إشكالات الذاكرة اليمنية
تعرضت الذاكرة الشعبية اليمنية للعديد من الإشكالات أبرزها: الممارسات الإمامية لمحاولة طمس تلك الذاكرة، من خلال الاستهداف الممنهج للموروث العلمي والكتابي اليمني، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى إخفاء أو إحراق مكتبات بكاملها، وكتاب الإكليل لأبي محمد الهمداني نموذج لذلك، ومن ناحية أخرى تعظيم تاريخ شخصياتهم الحاكمة، والتركيز على الاعتناء بمراجعهم وسيرهم.
في المقابل شكلت طبيعة اليمنيين المتسامحة إشكالية أخرى، فعادة ما كان اليمنيون وفي مراحل صراعهم المختلفة مع المشروع السلالي، يتجاوزون تجاربهم معه، في محاولة لنسيان الماضي، والبناء على رؤية تشاركية، وفي حين يمضي اليمنيون بكثير من التجرد لتأسيس واقع جديد، تتشرنق السلا. لة مستعدة لهجمة جديدة ما تلبث أن تعود محملة بنفس النفس العنصري الإقصائي، ومستهدفة الموروث الشعبي اليمني، وما تم إنجازه في لحظات تجلي الدول اليمنية المتعاقبة، وفي التاريخ حوادث كثيرة عمدت فيها السلالة إلى هدم كل المآثر والإنجازات وحرق الموروث المكتوب، وخربت التراث الإنساني اليمني وجرمته، وهو ما دأب عليه الأئمة، وأكده الصريع حسين الحوثي عند حديثه عن آثار مأرب وتحريضه عليها.
أهداف استهداف الذاكرة
يبرز أهم أغراض السلالة من إلغاء الذاكرة الجمعية، ومحاربة الموروث الحضاري، أنها في كل مراحل صراعها مع اليمنيين، تسعى إلى إقامة واقع جديد، وفرض مناخ عام، يتناسب ورؤيتها العنصر. ية، وتتوافق مع نظريتها في الحكم والاستحواذ، انطلاقا من فكرها المبني على دولة الفكرة، لا فكرة الدولة، وهي بذلك تصطدم حتما مع الموروث الحضاري لليمنيين، ومفهوم وظيفة الدولة في الحكم والبناء والانجاز، ولأن المشروع السلا. لي الإمامي لا يعيش في بيئة السلم والعلم وبناء الأرض، فطريقته الوحيدة هي اقتلاع الجذور، وتأسيس بيئة حربية تقسيمية للمجتمع، هدفها النهائي أن يتحول العباد والبلاد إلى جزء من ذلك المشروع وفي خدمته.
ذلك ما تقوم به اليوم الإمامة في شكلها الجديد، فهي تدرك حتما أن مشروعها لا يمكن أن يعيش في بيئة ثقافية يمنية حضارية، صقلتها سنوات الحكم الجمهوري، وانتشر فيها الوعي بمتطلبات الحاضر، واهتمت بالتعليم، وأثرت وتأثرت بالمحيط والعالم، وانفتحت على تجارب الحاضر، فسعت منذ اللحظة الأولى لتغيير الواقع الفكري والثقافي، واستهدفت الذاكرة الجمعية، وأوغلت في هدم التعليم، وسعت لفرض رؤيتها للحكم، ونشر فكرها الطائفي، المعتمد على مفهوم الهوية الإيمانية في مقابل الهوية اليمنية، والتي في حقيقتها رؤية إيرانية لا تمت للدين أو الوطنية بأي صلة، وهدفها إبعاد اليمنيين عن هويتهم وأصولهم وتاريخهم، وبالأخص ذاكرتهم فيما يخص الصراع معها، فعمدت إلى تجميل الحكم الإمامي والاحتفاء برموزه، والإساءة المباشرة لثورة السادس والعشرين من سبتمبر وإبطالها.
كما أن المشروع السلا. لي من خلال استهداف الذاكرة، يستهدف افقاد اليمنيين القدرة على السيطرة على حياتهم، ليتسنى له السيطرة والاستحواذ، وهو ما تكرر كثيرًا خلال محاولات المشروع السل. الي على مدى أكثر من ألف وثلاثمائة عام.
لماذا استعادة الذاكرة؟
إن حراكنا الثقافي والفكري الحالي الذي يدعو إلى استعادة الذاكرة الجمعية اليمنية، يهدف إلى تحقيق الوعي اللازم في صراعنا المستمر مع المشروع العنصر. ي السلا. لي، ومن أهم تلك الأهداف معرفة أبعاد ذلك الصراع، ومنطلقاته وجذوره، ومعرفة الأسس التي قام عليه ذلك المشروع المدمر، للوصول إلى حقيقته كمشروع وافد، وضع في أساسه على نظرية خادمة لسلا. لة بعينها، تتغلف برؤى دي. نية منحر. فة، ومتلفعة بحق مزعوم في الحكم والثروة والنصرة، وإن المجر. م الرسي القادم من طباطبا، مع أنصاره الطبريين، قام بصياغته،
ليؤسس لطريقة في الحكم تعتمد الصراع المستمر كوسيلة للحكم، على قاعدة أن اليمنيين غير قادرين على حكم أنفسهم، واعتماد التكفير لليمنيين، لاستحلا. ل دما. ئهم وأعراضهم وأموالهم، مستخدما وسائل الغازي في التحريش، وضرب اليمنيين ببعضهم، وهو الأسلوب الذي صبغ حكم كل الأئمة بعده.
كما يهدف هذا الحراك القومي، إلى كسر المفاهيم المتعلقة بمدة ذلك الحكم، وما يروج له أنصاره على انه حكم طوال تلك الفترة بتعاون اليمنيين ورضاهم، وفي الحقيقة أن هذا المشروع لم يستطع أن يحكم إلا في فترات لا تتجاوز المائتي عام، وفي مساحات محدودة من الارض اليمنية، واتسم بالعنف والإ. رهاب، والتجاذب بين الأئمة ذاتهم، فدارت بينهم الصراعات، ووصلت إلى صراع الأب مع ابنه أو أخيه، بل وجد في بعض الفترات التاريخية أكثر من إمام، وظهر إمام لقرية واحدة، وكما قال المفكر عادل الأحمدي: لو حكم هذا المشروع بشكل متواصل لسبعين عاما لانتهت اليمن وسكانها.
إن استعادة الذاكرة الجمعية اليمنية، سيقدم رؤية جديدة ومختلفة عن نضال اليمنيين ضد هذا المشروع السلا. لي، الذي وجد مقا. ومة لليمنيين منذ لحظاته الأولى، وستقدم نماذج لأبطال وقدوات للجيل الحاضر، عن شخصيات وقبائل وأقيال، وقفوا في وجه السلا. لة، وكانوا جدار الصد عن التاريخ والهوية، في مواجهة التجريف الإمامي لحضارة اليمني وهويته ومآثره، وهو ما سيشكل منطلقا مهما للجيل الحالي في مواجهة التجلي الأ.قذ. ر للمشروع الإمامي المتمثل في الحو. ثيين الإماميين الجدد.
استنهاض الهوية واستعادة الذاكرة اليمنية، سيؤكد قدرة اليمنيين على هزيمة مشروع السلا. لة، فكما كان للمناضلين وحملة الفكر في تاريخنا، الفضل في استنهاض الناس وحثهم على التصدي لهذا المشروع، في ظروف أصعب من ظروفنا الحالية، فسنكون قادرين على تكرار ذلك المشهد، مع الاختلاف في أدوات التنوير والقدرة على التأثير ومقا. ومة التجريف.
كما يهدف ذلك الحراك المعتبر إلى التعريف والتذكير بنواصع التاريخ اليمني، المتمثل في الدول اليمنية التي حكمت وسادت وحققت الإنجاز المعرفي والسياسي، وكانت نموذجا للدول المدركة لوظيفتها، والقادرة على تحقيق الرفاه وفرص العيش الكريم، بعيدا عن نظرية الاستعلاء السلا. لي، وتلك الدول حكمت إضعاف ما حكمت السلا. لة، ومازالت شواهد حكمها ماثلة حتى الآن رغم ما نالته معظمها من التدمير الممنهج على أيدي السلا. لة وحكامها.
استعادة ذاكرتنا الوطنية والتاريخية، ستؤكد لنا بما لا يدع مجالا للشك، ان اليمنيين لم يكونوا عنصر. يين في أي لحظة تاريخية، بل قدموا كل الأدلة على ترحيبهم وكرم احتوائهم لأي وافد إليهم، بل أصبح بعض أولئك الوافدين، حكامًا يمنيين، وعلماء بارزين، اعترفوا بيمنيتهم، وذابوا في النسيج اليمني، ولم يفتخر أحد منهم بأصله ليتعالى به عليهم، ولم يطالب منهم بحق بدعوى حق إلاهي أو سلا. لي إلا هذه السلالة التي رفضت في أي يوم الاندماج في نسيج اليمنيين وحياتهم، وظلت متمسكة بعنصر. يتها ورؤيتها لليمني كتابع وخادم ومحارب من أجلها، ولم تعمل أبدا لخدمتهم، أو تحسين حياتهم، بل عملت- كلما اعتقدت انها تحكمت- على تجهيلهم، وسد أبواب الرزق أمامهم، إلا باب الحرب معها أو ضدها، وحاربت هويتهم ورموزهم، وظلت على مدى ألف عام جالية، لا تعترف باليمن، ولا تنتمي اليه.
نستهدف من هذا الحراك الفكري المتمسك بذاكرتنا الوطنية، إلى الاستفادة من دروس الماضي في صراعنا مع هذا المشروع، وعدم الوقوع مجددا في الأخطاء التي وقع فيها الآباء والأجداد، في التعامل بتساهل، وعدم حسم المعركة معه، فالتاريخ سيعطينا فكرة عن النتائج الكارثية لمحاولة احتواء هذا المشروع، غير القابل للاحتواء، والمتميز بقدرته على التلون والاستسلام الكاذب، والعمل في الخفاء لاستعادة السيطرة، مع ما رافق ذلك من كوارث ومآسي جعلت اليمنيين في مأساة متعاقبة على مدى ألف عام.
وذلك ما تجلى بوضوح في الاحداث التالية لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 وما تلاه من عملية مصالحة مع هذا المشروع، والذي شكل كارثة حقيقية، وغلطة تاريخية، ساهمت في عودته حاليا، مستفيدا من روح التسامح، وإرادة البدء من جديد، فذهب إلى التسلل والتوغل في مفاصل الحياة السيا. سية والاجتما. عية والحز. بية، معتمدًا على غفلتنا عنه، وإلى تربصاتنا ببعضنا، ليظهر كأسوأ ما يكون، ولنكتشف بأننا بعدم حسم معركتنا معه قد أعطيناه القدرة على العودة، والتحرك في مساحات ترهلنا، وافتقادنا لذاكرتنا الجمعية التي هي العامل الأهم في لجمه وتحييده.
في طريق الاستعادة
إن استعادة ذاكرتنا الشعبية، والإيمان بذاتنا التاريخية اليمنية والعربية والإسلا. مية، ستضعنا في الطريق الصحيح، لتكون هذه المعركة هي آخر معاركنا مع مشروع السلا. لة، بما يعنيه الانتصار لبلادنا، وتحميل هذا المشروع وزر كل ما أصاب اليمنين من قهر ومعاناة ومآس وحروب، كانت القاسم المشترك لكل تاريخ هذا المشروع المدمر، ولا سبيل لذلك إلا بتجريم هذا المشروع وفكره دستو. ريا وتشريعا، وهو حق تفرضه مئات السنوات من التدمير، وتجاربنامعه، كما تفرضه ذاكرتنا الشعبية التي يجب أن نستنهضها، ونعمل جاهدين على احيائها، وتحويلها إلى واقع في خطابنا وإعلامنا، وهدفًا وطنيًا واجبًا، وفرض عين على كل يمني في أي موقع، وليضاف إلى أهداف ثور. تنا هدفًا استراتيجيا على رأس مهام د. ولتنا.
من المهم أن تركز الجهود حاليًا على تحقيق تلك الاستعادة، وهي مهمة لا يجب ان تتأخر، وجهد يتوجب أن تقوم به الحكومة بكافة مؤسساتها، والمراكز البحثية، والنخب الثقافية، ورجال التاريخ والتوثيق، وتشجيع الحراك المنادي باستعادة هوية اليمنيين، ودعمه، والبحث عن المراجع التاريخية، والمخطوطات التي تحاول السلا. لة تدميرها، والعودة إلى كتب التاريخ لتنقيحها وتطهيرها من سمو. م الفكر الإمامي، ومراجعة المناهج الدراسية، لإزالة ما علق فيها من دس خب. يث يصب في صالح صرف اليمنيين عن ذاكرتهم، واستعادة الوهج الجمهو. ري في تلك المناهج، وتضمنيها مواد تعريف بتاريخ هذه السلا. لة وجنايتها على الأرض والإنسان.
التعليقات 0:
تعليقك على الخبر