تفاصيل الخبر

معاناة لا تنتهي.. كيف سيقضي اليمنيون رمضان تحت سلطة المليشيات الحوثية؟

معاناة لا تنتهي.. كيف سيقضي اليمنيون رمضان تحت سلطة المليشيات الحوثية؟

أخبار وتقارير / 2023-03-23 02:35:13 / منتدى معد كرب القومي - خاص

أسامه الليث

 

يبدو أنّ رمضان هذا العام سيكون امتدادا لمعاناة المواطن اليمني المستمرة، فالانقلاب الحوثي الذي ينخر في جسد المواطن اليمني، لم يدع أي شيء من المظاهر التي كانت تتميز بها العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات في شهر رمضان.

 

نسبة الفقر اليوم وصلت إلى أعلى المستويات، ووصل الفقر إلى الأسر المتوسطة والغنية على حدِ سواء، فهناك أسر تقتات خبزا ناشفا، وهناك أٌسر تقتات من مخلفات المطاعم، فالكل أصبحوا فقراء بسبب انقطاع الرواتب عن موظفي الدولة، والحرب التي تسبب بها الحوثيون، والتي أكلتْ الأخضرَ واليابسَ.

 

  • أغلب السلع هي من سلع الإغاثة

 

ما إن يقترب حلول شهر رمضان الفضيل، حتى ينهمك سكان اليمن عامة وسكان صنعاء خاصة، في البحث عن احتياجاتهم من المواد الغذائية الأساسية الخاصة بهذا الشهر الجليل، لكن الملاحظ هذه السنة قلة الازدحام على الأسواق، هذه الظاهرة التي ترافق دخول رمضان عادة، بالتزامن مع ارتفاع مهول في أسعار المواد الغذائية، واستمرار انقطاع الرواتب الذي حد من قدرة المواطنين على الشراء، مما جعل الفرحة باستقبال هذا الشهر غير مكتملة لدى الكثير من سكان العاصمة صنعاء.

 

الوضع المعيشي الصعب لأغلب سكان صنعاء انعكس على أصحاب المحال التجارية أيضا، فعدد الزبائن تراجع بشكل كبير بحسب كلام تاجر الجملة
أبو عبد الله والذي قال: "في مثل هذه الأيام كنت أستعين بثلاثة عمال إضافيين ليقفوا معي في المحل ويساعدونني في تلبية طلبات الزبائن الذين تزداد أعدادهم بعد منتصف شهر شعبان، لكنّ هذا الأمر انتهى منذ انقلاب الحوثيين، فالزبائن بالكاد يشترون الاحتياجات الضرورية كالأرز والسكر والقمح والزيت، أما المواد الغذائية التي اعتاد اليمنيون على توفيرها في رمضان مثل المهلبية والعسل والكريمة والعصائر بمختلف أنواعها باتت أقل طلباً عما كانت عليه".

 

ويُقدر أبو عبد الله نسبة تراجع الحركة التجارية والشرائية هذا العام من حيث الاستعداد لرمضان مقارنة بالأعوام الماضية بنسبة تصل إلى 75%.

 

التاجر (ع. ص) يشكو من بيع تجار تابعين للمليشيات للإغاثة قائلاً: "نحن نشتري البضاعة بسعر مرتفع جداً، وأغلب السلع هي من سلع الإغاثة التي يستلمها التجار الكبار مجاناً من منظمات دولية، ويبيعونها لنا بأسعار مضاعفة، والأكيد في رمضان أن تزيد الأسعار لتصل إلى ثلاثة أضعاف سعرها الأصلي بسبب هذا الأمر".

 

عندما سألت أحد مالكي محال بيع المواد الغذائية عن السبب وراء عدم إقبال الناس على الشراء، والسبب في رفع التجار لأسعار المواد الغذائية، أجابني قائلاً: "السبب بلا شك انقطاع الرواتب، أما عن سبب رفعنا للمواد الغذائية فهذا يعود إلى ارتفاع الضرائب الإضافية غير القانونية التي تقوم بفرضها المليشيات علينا، والإتاوات التي يتم فرضها في نقاط التفتيش الأمنية على حاويات التجار القادمة من الميناء، بالإضافة إلى الإجراءات الأمنية للحوثيين في نقاط التفتيش، والتي بدورها تؤدي إلى تأخر البضاعة لفترات طويلة قبل دخولها صنعاء".

 

  • أمنياتنا بأن لا نفقد ما تبقى لدينا من كرامة آدمية

 

يبدو أن المواطن اليمني هذا العام كما الأربعة الأعوام الماضية، سيفقد كثيراً من عاداته الرمضانية، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.

 

فالوضع المعيشي السيئ عمّق من مأساة المواطنين ومن سعادتهم في شهر رمضان في ظل انقطاع الرواتب، وتدني فرص العمل بشكل غير مسبوق منذ عقود.

 

عند البحث عن سؤال كيف سيستقبل اليمنيون رمضان هذا العام، تجيب أسماء، وهي موظفة في وزارة المالية، قائلة: "لرمضان نكهة خاصة لدينا نحن اليمنيين، نستقبله بالتحضير المستمر للأكلات الخاصة، فضلاً عن الأمسيات الرمضانية، أما هذا العام ربما يكون أصعب رمضان يمر على اليمنيين منذ خمس سنوات، فهو يأتي وقد استنفد اليمنيون كل مدخراتهم، وغارقون في الديون بسبب توقف الرواتب لأربع سنوات، وبسبب حالة الكساد وتفشي البطالة، واجتياح الأمراض الفتاكة، وتوقف دعم الكثير من الخدمات، هذه كلها تجعل المواطن يدخل رمضان في هم مضاعف".

 

أما "عبد الله" النازح من محافظة الحديدة فيتنهد بألم وحسرة عند سؤاله حول تجهيزاته لرمضان، ويقول: "ماذا أفعل؟ لا أعلم، ولا تسأليني كيف سأمضي رمضان، لدي سبعة أطفال تتلاشى أجسادهم النحيلة أمامي وأنا عاجز عن إدخال الفرحة إلى قلوبهم لعدم قدرتي على شراء احتياجات رمضان التي يتميز بها هذا الشهر. كم هو قاسٍ هذا الشعور أن تدق أجراس وصول رمضان الخير، الذي اعتدنا على روحانيته وسخائه بحلة غير التي اعتدناها، حلة كئيبة مع جوع يلفنا من كل الجهات".

 

ويختتم حديثه قائلا: "ليس هناك فرق حالياً بين الشهور سواء رمضان أو غيره، فكل أمنياتنا ودعائنا ألا نفقد ما تبقى لدينا من كرامة آدمية في سبيل العيش والبقاء على قيد الحياة".

 

أما "أم أحمد" فحالها أفضل قليلا من عبد الله، إذ تمكنت من شراء متطلبات شهر رمضان الأساسية، بعدما اقترض زوجها مبلغاً من أحد أصدقائه التجار.

 

تتابع حديثها قائلة: "نحن بلا راتب منذ ثلاثة أعوام، لكن لا يمكن أن نتعامل مع شهر رمضان كأيّ شهر عادي، بل يجب الاستعداد له".

 

وعندما سألتها: هل تستلم أي مساعدات مالية أو عينية من أي جهة، بما فيها المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني؟ أجابت: "بعض المنظمات تزورنا وتلتقط صور بطاقاتنا الشخصية، بغرض تسجيل أسمائنا في كشوف المساعدات، لكنّها لا تعود مرة أخرى، هناك من وعدنا بتقديم سلال غذائية في رمضان ولا ندري هل يفعل ذلك أم لا".

 

"أحمد" الذي يسكن في صنعاء يرى أن الوضع تغير في مجمله باليمن، حيث لم يعد هناك تفكير برمضان أو شوال أو أي شهر آخر، ويحدثنا قائلا: "أنا خريج جامعة غير أني لم أحصل على عمل، وأعمل حاليا حارسا في مؤسسة خاصة، ولم أستلم راتبي منذ أربعة أشهر بسبب قلة الدخل، مما انعكس سلبا على حياتي المعيشية وأصبحت لا أفكر في كيف سأستقبل شهر رمضان، فكل تفكيري منحصر في استمرار عيشنا بعيدا عن أزمات أخرى مقبلة".

 

  • نرزح تحت فساد مستشرٍ

 

اشتهرت العاصمة صنعاء قبل الانقلاب الحوثي بكثرة وتنوع الجمعيات الخيرية والتنموية، وتعدد مجالات اهتمامها، إذ استطاعت أن تسد ولو جزءاً بسيطاً من احتياجات الأسر الفقيرة ومتوسطة الدخل.

 

بعد دخول المليشيات صنعاء مارست عليها كل أنواع التضيق، وأغلقت المئات منها بذريعة أنها تتبع حزب الإصلاح.

 

"أم حمزة" تتحدث بحزن عن دور الجمعيات الخيرية في شهر رمضان، ودورها في تقديم المعونات الإنسانية للفقراء والمحتاجين، إذ تقول: "هذه الجمعيات كانت تزرع الابتسامة والفرح على أسرتي وأسر كثيرة، وبالأخص جمعية الإصلاح الخيرية، التي كان لها دور كبير في تخفيف أعباء الحياة علينا نحن الفقراء، فقد كانت توفر لنا المواد الغذائية وكسوة العيد ولحم الأضحية. هذا رمضان الخامس ونحن بلا مساعدات، حتى المنظمات التي يتحدث عنها الناس، لا ندري لمن توزع المواد الغذائية وأين هي".

 

من جانبها، تحدثت إلينا رئيسة إحدى الجمعيات الخيرية التي أغلقت من قبل الحوثيين قائلة:
"اليمنيون في كل عام يستقبلون رمضان بفرحة غامرة، ولكن يبدو أن الأعوام السابقة وهذا العام تحديدا سيكون من أسوأ الأعوام التي تمر على اليمنيين، فنحن نرزح تحت فساد مستشرٍ متمثل في السوق السوداء التي تضر بالمواطنين لصالح فئة فاسدة تحميها الميلشيات في جميع المدن التي تسيطر عليها".

 

وأضافت: "أصبحنا نبحث عن القوت والمساعدات للمواطنين الذين أصبحوا جميعاً بدون رواتب ولا إغاثات، وصار جميع المواطنين محتاجين، فمنذ شهر رجب ونحن نبحث عن معونات غذائية، لكننا عجزنا عن توفير ربع ما كنا نوفره قبل انقلاب الحوثيين، والسبب يرجع إلى ازدياد عدد المتنفذين من المليشيات، الذين يباغتون المحلات التجارية وعقارات المغتربين في أغلب الأوقات، والاستيلاء على أرزاقهم بقوة السلاح".

 

  • "أتمنى أن يحصل أطفالي على وجبة العشاء"

 

كان رمضان بالنسبة إلى "أم أسامة" من أجمل الأشهر، غير أن الأمر تغيّر حاليا بسبب الوضع المأساوي الذي تعيشه مع أسرتها، حيث تقول:
"حتى الآن لم نشعر بفرحة اقتراب شهر رمضان، فكيف نفرح والحزن والهموم يثقلان كاهلنا.
اضطررت للعمل في تنظيف البيوت بعد أن توقف راتب زوجي المتوفي منذ نحو ثلاثة أعوام، وأحصل مقابل عملي على 20 ألف ريال، لذا لم أعد أفكر في الوجبات المتنوعة الخاصة برمضان، بل أتمنى تأمين الطعام الذي يشبع أفراد أسرتي".

 

تضيف: "أعمل جاهدة من الصباح حتى المساء كي لا يموت أبنائي من الجوع، فنحن نعيش في الوقت الراهن على وجبتين، إفطار وغداء، ونتحمل الجوع بعد ذلك وأتحمل أنا بكاء أطفالي بسبب عدم وجود وجبة العشاء التي أعجز عن توفيرها لهم. قبل انقلاب الحوثيين كنا نستقبل رمضان بالفرح، وكنا سنزين سُفرة رمضان بما لذ وطاب من المأكولات، أما الآن فمطبخي شبه فارغ من المواد الغذائية الأساسية، لا توجد سوى هذه الأواني الفارغة والقليل من السكر والطحين والأرز، أما الغاز المنزلي فالحصول عليه بات أمرا في غاية الصعوبة وهو ما زاد حياتنا تعبا".

 

وتختم حديثا قائلة: "أتمنى أن ينتهي هذا الكابوس الذي حل علينا، كما أتمنى أن يحصل أطفالي على وجبة العشاء، وأن يفرحوا باستقبال شهر رمضان".

 

"سعيد" نازح من محافظة الحديدة هو أيضا يعتقد أنّ شهر رمضان هذا العام مثله مثل بقية الشهور إذ يقول: "لا شيء سيتغير، فمائدتنا نفسها أرزّ وخبز ولبن أو خبز وشاي، فأنا لا أملك المال الذي يوفر لنا موادا غذائية إضافية، والكثير من النازحين منذ مدة طويلة يأكلون وجبة واحدة في اليوم، ولهذا فصيام رمضان لن يشكل فارقاً كبيراً".

 

  • تفاوت في أسعار المنتجات

 

لم يسلم المواطن المحاصر من الغلاء الفاحش في الأسعار، خاصة عند قدوم شهر رمضان، وعدم وجود رقابة ومحاسبة في ظل أزمة ضمير المليشيات في علاقتها بحياة الناس.

 

أثناء جولاتنا المختلفة في الأسواق وجدنا تفاوتا في أسعار معظم المنتجات وبدقة أكثر المواد الضرورية، التي من الممكن أن تتوفر في أبسط منزل كالأرز والسكر والألبان، ومنتجات التحلية الرمضانية، وغيرها من المواد الغذائية الأساسية.

 

فارق السعر كبير من منتج لآخر فـ"قطمة أرز" خمسة كيلوجرامات لعلامة تجارية محددة بـ3750 ريالًا، وجدناها في مكان آخر بـ4200 ريال، وهكذا من مول لآخر ومن سوبر ماركت إلى بقالة.

 

المنتجات الصغيرة وبحجم التكلفة السعرية كان الفارق فيها يصل إلى 150- 200 ريال كزيادة على سعرها الذي شمل الحد الأدنى، كأن يكون أقل قيمة مثبتة للسلعة 700 ريال، نجدها في مكان آخر بـ850 ريالا.

 

أحد منتجات الألبان الصغيرة توفر سعره بــ195 ريالًا، وفي مول آخر 215 ريالأ، وفي معظم الدكاكين والبقالات بـ250 ريالا.

 

السكر كذلك تضاربت أسعاره ما بين زيادة كبيرة وزيادة متوسطة، ففي حين يُشكو معظم المستهلكين من وصول سعر الكيس (50 كيلوجراما) إلى 20 ألف ريال، يؤكد مشترٍ آخر أنه حصل على ذات الكيس بـ18 ألف ريال.

 

ومع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك، هناك سبعة ملايين مواطن يمني مهددون بخطر المجاعة، ونصف اليمنيين غير قادرين على شراء المواد الغذائية الأساسية، مما أدى إلى تدهور كبير في الحالة المعيشية، بحسب تقارير منظمة الأغذية التابعة للأمم المتحدة الفاو.

التعليقات 0:

تعليقك على الخبر