القومية اليمنية... هوية وإنتماء
مصطفى محمود
تاريخ الحضارة اليمنية تاريخ عريق لأمة عريقة، وقد انطلق فكر هذه الأمة بتاريخها من خلال تطور الأمة اليمنية عبر ألازمنة وتفاعلت مع الحوادث والظروف وعبر تجارب وأحداث حية لتنسج حولها تعبيرات متنوعة متجددة مع تجدد الزمن، فهي إبداع وخلق وتجدد دائم، وهذا ما كان يعطيها نشاط و قوة ويضمن استمرار حيويتها وتكاملها على ضوء تجاربها بين الماضي والحاضر لبناء مستقبلها ولتخلق للحياة معنى جديدا لحاضرها ولمستقبلها. فهي بهذا المفهوم والمعنى تخلق المستقبل وتخلق الماضي نفسه
وعلى ضوء معطيات حاضرها، وهذا الفعل هو الذي بلور لدى اليمنيين (الفكر القومي اليمني)، هذا الفكر الذي وحد كل عناصر الهوية القومية، من العرق و والأرض والتراث والعادات والتقاليد والقيم والعلوم والثقافة وكل ما هو مشترك يتقاسمها شعب واحد، والتي أسهمت في صنع هذه القومية اذ تداخلت فيها هذه المقومات لبناء التاريخ، وهذا التاريخ هو الذي جعل الإنسان اليمني متصلا بجذوره وأصوله وأجداده بكون الإنسان اليمني الحاضر هو امتداد لذلك التاريخ ولتلك الحضارة، الحضارة اليمنيه العريقة.
فالأمة اليمنية، أمة لها فكر ولغة وتراث وفن وآثار و وجود، والأمة الحية هي الأمة التي تعتز بتراثها وآثارها وبعلومها وفنونها، باعتبار أن الفكر والتراث والآثار والعلوم والفنون بالمجمل يشكل جزءا أساسيا من هوية الأمة، تاريخا وحضارة، وهذه الهوية هي التي تكشف وتوثق أصالتها وعراقتها بتدوين التاريخ وتوثيقه كما فعلها أجدادنا اليمنيين قبل سبعة ألاف سنة وبكل وضوح وصدق، سواء عبر الألواح الطينية وفوق الصخور أو عبر تجسيم الإحداث بمئات الآلاف المنحوتات الفنية الراقية، مما تم اكتشافها -وبمثيلها وربما أكثر بكثير مما لم يكتشف عنها البعد – والتي ما زالت إلى يومنا هذا شاخصة إمام أنظارنا وأنظار العالم التي تتواجد في ارقي متاحف العالم لأبرز ما مر بالأمة اليمنيه من أحداث، لتشكل خير وثيقة عهد والاتصال وهمزة وصل بين الأجيال السابقة والأجيال الحالية والأجيال القادمة لكي يتم الحفاظ على هوية الأمة، الأمة اليمنيه هذه الأمة التي تميزت عن غيرها من الأمم بالشواهد الحية التي تجعل من أبنائها اقيال تليوم يعتزون كل الاعتزاز ويفتخرون كل الافتخار متمسكين بجذورهم و بتاريخهم وبتراثهم وآثارهم وعلومهم وفنونهم والتي أرقى ما تتميز بها الأمة اليمنيه
ولما كان الفكر والعلم والفن والأدب والتراث اليمني مكونات لكيان الحضارة والتراث الوطني اليمني ، فجل ذلك يمثل غير شاهد بما قدموه أجدادنا اليمنيين من إسهامات في تأسيس هذا الكيان الذي هو مصدر الاعتزاز والفخر اليمنيين بما يقدمه من التحضر والثقافة والتطور التي هي ركائز هوية الحضارة وعنوان لثقافة الأمة اليمنية في تاريخها وحاضرها،
لذلك نجد هوية امتنا اليمنية هي على الدوام ملهمة لتراث الثقافي العالمي و لكل الأمم، بل نجدها مصدر للإبداع المعاصرين من الأدباء والفنانين والشعراء والمفكرين والفلاسفة يؤخذون من فنون وعلوم وتراث اليمنيين مصدرا موحيا لخلق إعمال تحاكي ما أنجزوه وما تركوه أجدادنا اليمنيين قبل سبعة ألاف سنة من إعمال فكرية وفنيه وانجازات رائعة والتي بمجملها تحولت اليوم إلى تراث عالمي والتي كحاصل تحصيل تربط حاضر الأمة اليمنيه بماضيها الخالد لتأخذ الإبداعات الجديدة التي يبتكرها المبدعون المعاصرون مواقعها في خارطة التراث الثقافي العالمي والذي يحسب على رقي امتنا اليمنيه ومدى ازدهار حضارتها وعلى كل مستويات الحياة الثقافية والعلمية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ومن هنا فان تراث الثقافي والأدبي والفني والعلمي اليمني بكل معالمه وصروحه وأثاره تجاوزا تأثيره المادي، من الكتابات الجدارية والرقم الطينية وتماثيل الحجرية الضخمة وأواني وحلى وصروح معمارية ونقوش وغيرها إلى تأثير غير المادي فلكلوري من أغاني ورقص وملابس وقصص وأساطير وحرف توارثتها الأمة اليمنيه عبر الأجيال لتعبير عن نبض و روح حياتها وثقافة الأمة وهويتها، هذه الهوية التي تتغذى بهذا التراث والذي يرتبط مقوماته في عقل ووعي الأمة اليمنيه حضاريا وتاريخيا وسياسيا ودينيا على حد سواء،
ومن هنا فان تعلق الإنسان اليمني في كل مراحل التاريخ يأتي بما اختزنه من ذلك الماضي ومن تراثه، ثقافة وفكرا علميا وفلسفة وأدبا وفنا، والتي هي بمجملها تمثل هوية القومية للأمة لارتباطها الشديد بالوعي الغريزي للفرد، لان الفهم السياسي لمفهوم (القومية) يرتبط بالمفهوم (الأمة)، من حيث الانتماء، وهنا نحن نحدد ما يخص تحديدا (الأمة اليمنيه )، فالقومية باعتبارها إدراك وإحساس وشعور بالانتماء إلى كل ما هو مشترك في التراث والى كل ما هو متضامن بين مجمل مكونات الأمة من أجل تحقيق وحدتها- والتراث المشترك هنا يشمل اللغة والثقافة والدين والاعتقاد بالأصل الواحد – لتأتي القومية بفهمها إيديولوجي قوامه الشعور بان أبناء الأمة لهم كيانهم الذاتي وتطلعات بحقهم في تقرير مصير حياتهم العامه وتنظيم كيانهم القومي تنظيما اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا مما يحقق لهم تكوين شخصيتهم القومية المستقلة.
ومن هنا يأتي اعتزاز الفرد اليمني بهوية الأمة وتراثها باعتبار هذا التراث هو الجذر الذي يؤرخ أمجاد الأمة ويغذي حاضرها، ليأتي تقيمه بهذا المعنى، اتخاذ الافيال كل ما يلزم لحماية هذا التراث ونقل معانيه إلى المجتمع اليمني ليضمن نهضة الأمة، نهضة وعلى كل المستويات مرفقة بأهمية مكونات التراث اليمني باعتباره حيا حاضرا يحفزهم ثقة وعزما لمواجه المستقبل.
ولما كان التراث يمثل باعتباره محاورة الفرد مع الطبيعة عبر تراكم الخبرة بنقل تجاربه من الماضي إلى حاضره ليتوجه نحو المستقبل، فبقدر كونه يمثل ذاكرة الفرد والمجتمع، فانه كحاصل تحصيل يمثل هويته التي بها يتعرف الناس على هذا الشعب، لان عبر تراكم التراث، وبشتى قيمه الاجتماعية والثقافية والعلمية يكون مصدرا ثقافيا و تربويا وفنيا وعلميا، وبتراكم المعلومات تكون وجه الحضارة والتي كحاصل تحصيل لهذه الجدلية المنطقية تتكون ذاكرة الأمة .
التعليقات 0:
تعليقك على المقال