تفاصيل المقال

محمد الحاوري: الفكر، الحضور، والموقف

محمد الحاوري: الفكر، الحضور، والموقف

لمياء الكندي

لمياء الكندي

 

ما زالت تجربة الهزيمة التي مُني بها اليمنيون على يد الحوثيين قبل عقد من الزمن ماثلة في الذاكرة، وما زال أثرها حاضرًا في الواقع السياسي والاجتماعي. ورغم استمرار الخطاب المقاوم للإمامة، فإن الممارسة العملية كشفت عن قصور عميق في التعامل مع هذا التحدي، إذ لم يُجرد الفاعلون أنفسهم بصورة كاملة للدفاع عن قضيتهم الوطنية.

 

لقد عجزنا عن أن نكون يمنيين بالقدر الذي يمكّننا من استعادة وطننا من قبضة العصابات السلالية، كما أخفقنا في أن نكون جمهوريين بالقدر الذي يسمح لنا بالتخلص من ترسبات الحزبية والمناطقية والمصالح الضيقة. فبدلًا من بناء مؤسسات الدولة في المناطق المحررة، أُنشئت كيانات شبه ميليشياوية متناحرة، الأمر الذي أفرغ فكرة التحرير من مضمونها.

 

وبدل أن تتبلور بوصلة واضحة تقود إلى صنعاء، انحرفت المسارات نحو شعارات ثانوية وعناوين جانبية مثيرة للشفقة، تراوحت بين ذرائع الحفاظ على الأمن وصناعة أعداء افتراضيين، وصولًا إلى مزاعم بأن مأرب تحولت إلى بيئة قمع أو سجن كبير. هذا الانزياح في الخطاب والممارسة جعل المشهد شبيهًا بجوقة من الأصوات المكرورة التي لا تنتج سوى الضجيج، بينما يتآكل المضمون الحقيقي للقضية.

 

لقد أساء الجميع إلى مأرب: الأجهزة الأمنية، النخب السياسية، الإعلاميون، والنشطاء. كل طرف أسهم بدرجة ما في تكريس حالة التيه والضياع، ما عمّق الإحباط الجماعي وأضعف مشروع التحرير.

 

وسط هذا السياق المأزوم، برز الفنان والمبدع محمد علي الحاوري بوصفه صوتًا استثنائيًا حافظ على نقاء موقفه. فقد ظل وفيًّا للبوصلة الوطنية، ولم يسمح للفتن أن تجرّه إلى استبدال عداوة الحوثيين والسلاليين بعداوات جانبية مع شركاء القضية.

 

الحاوري قدّم نفسه باعتباره ابنًا لليمن، لا ابنًا لحزب أو منطقة. لم ينخرط في العصبيات المناطقية ولا في الحسابات الحزبية الضيقة، بل سخّر فنه وفكره لمقارعة المشروع الإمامي. وظّف السخرية والغناء كأدوات مقاومة، فأطلق كلمات تتحول إلى "رصاص فني" يستهدف الخصم، دون أن ينزلق إلى خطاب هدام يطعن في الصف الجمهوري أو يشكك في الشرعية.

 

لقد أحسن الحاوري حين جعل من عدوه غريمًا وحيدًا، مؤكدًا أن مواجهة الحوثي تعني صون حياة اليمنيين جميعًا. في المقابل، فإن الذين انشغلوا بتوسيع قائمة خصومهم على حساب العدو الرئيسي أضعفوا المعركة، وجرّدوا أنفسهم من شرف المواجهة.

 

من هنا، تتجلى قيمة الحاوري الفكرية والفنية، لا باعتباره فنانًا فحسب، بل نموذجًا للثبات على الموقف، وحارسًا للبوصلة الوطنية التي ضاعت من كثيرين.

التعليقات 0:

تعليقك على المقال