تفاصيل المقال

الإمامة وأوهام الحكم

الإمامة وأوهام الحكم

محمد صلاح

محمد صلاح

 

يوجد الكثير من اللبس حول الإمامة وسلطتها، ومدة حكمها في اليمن، وهو ناتج عن التعميمات التي أسهم عديد من الكتاب والسياسيين في ترسيخها، والتي تتمثل بأنها حكمت اليمن الف ومئتي عام، بينما استنطاق وقائع التاريخ تكذب الأوهام، فقد كان غالبية الأئمة طوال سبعمائة عام على سبيل المثال، محصورين في مناطق بعينها، واحيانا يمتد وحينا ينكمش، داخل حدود معينه، وفي بعض الأوقات كانوا أشبه ببعض الزعامات القبلية، وبعضها أقل من ذلك، لكن الاسهامات لكتّاب السيّر التي قام بها مؤرخو الزيدية اضفت الكثير من المبالغات حول دعوات الأئمة، ونفوذهم وسيطرتهم وأدوارهم.

 

ولعل في هذه الاطلالة العابرة ما يوضح جزء من ادوارها، وطبيعة السلطة في اليمن.

 

تاريخياً لم يعرف أن "الزيدية السياسية" أو "دولة الإمامة"، تمكنت من إسقاط دولة من الدول التي ظهرت، أو برزت في اليمن، متزامنة مع ظهورها أو متعاصرة معها، سواء كانت ذات مرجعية سنية، أو شيعية، أو مستقلة بلا مذهب سياسي، لكنها كانت في بعض الأوقات مهيئة لوراثة نفوذ بعض القوى المحلية، التي تختفي أو تسقط، واحيانا أخرى كانت تتمكن من الوثوب على الحكم كقوة تفوق غيرها من المنافسين، على مستوى اليمن بأكمله كما جرى مع الدولة القاسمية الأولى 1635م، أو على جزء منها كما جرى بعد خروج الاتراك وصعود الإمام يحيى حميد الدين 1918م.

 

فمثلاً دولة علي بن الفضل كان الحواليون زعماء الدولة اليعفرية، هم من قادوا تحالفاً اشتركت فيه عدد من القوى الموجودة على الساحة اليمنية بقيادة أسعد بن أبي يعفر، الذي استغل اغتيال الزعيم اليمني أبو الفتح الجدني للقضاء عليها وذلك مطلع القرن الرابع الهجري، ومثل ذلك ينطبق على اليعفريين الذين كانوا متواجدين في صنعاء وما حولها، وفي بلاد يريم، وكانت تمتد على مساحة كبيرة من الرقعة اليمنية، وتنكمش كما هو حال عدد من الدويلات التي عرفتها البلد، فإن الإمامة لم تكن لها اليد الفاعلة في غيابهم، وإن ظلت تشكل عامل قلق لليعفريين، وكان أكثر ما أضعفها هو الصراع داخل الاسرة اليعفرية، حيث تشتت ولاء قاداتها، وتشتت تحالفاتهم.

 

وفي التهايم حيث دولة بني زياد الذين كانت تربطهم علاقات وطيدة مع الخلافة العباسية، ثم تحولت إلى اسمية وشكلية، فإن نفوذ الزياديين اختفى من زبيد والسواحل على يد مواليهم، وعبيدهم من النجاحيين.

 

ومع تنامي دور النجاحيين الأحباش وبروزهم كقوة على الساحة اليمنية، وغياب زعامة يمنية جامعة منافسة أو معارضة، يلتف اليمنيون تحت لوائها، فضلاً عن وجود دولة، حيث كانت غالبية القوى المحلية تخوض صراعات فيما بينها على النفوذ، والسيطرة على المناطق، بينما الزيدية السياسية بعد تجرعها الهزائم والانكسارات المتوالية، على يد القوى المحلية، وبسبب الصراعات بين دعاة الإمامة، اضطرت الأخيرة مرغمة الدخول في عالم الغيبية والقول بالمهدوية، بعد مقتل الإمام الحسين بن القاسم العياني بالقرب من صنعاء في بداية القرن الخامس الهجري. 

 

في هذه الأوضاع القلقة، ظهر علي بن محمد الصليحي 439 هجرية، من جبل مسار في حراز، داعياً ومؤسساً لدولة يمنية تعتنق العقيدة الإسماعيلية التي خرجت من رحم التشيع، ورغم الصراع الذي دار بينها وبين دعاة الإمامة الزيدية إلا أن الدولة الصليحية كانت هي الغالبة، وإن ظل أدعياء الإمامة يشكلون عامل قلق بتمرداتهم المتواصلة، وكانت الصراعات بينهما سياسية على السلطة والحكم.

 

وقد ورث الياميون حلفاء الصليحيين السلطة في صنعاء وما حولها بعد وفاة الملكة الحرة السيدة بنت أحمد 532 هجرية، وورثها الزريعيون في عدن، وقد تغلب الياميون على الإمام أحمد بن سليمان الذي دعا للإمامة بعد وفاة الملكة، وفر الأخير من مواجهة الرعيني في التهائم، بعد أن استنجد به النجاحيون، وتحالفوا معه لقتال الرعيني الحميري، وكان سقوط النجاحيون في تهامة علي يد قواته عام 554هجرية.

التعليقات 0:

تعليقك على المقال