مصطفى محمود:سلطة الهوية ونظام الجمهوريه .تشخيص واقع الصراع في اليمن
أخبار وتقارير / 2021-11-02 01:57:31 / منتدى معد كرب القومي - خاصمصطفى محمودــــــــــاليمن
يمكن تعريف سلطة الحوثيين - بأنها “سلطة الهويّة”، السلاليه ، بينما يتحدد النظام الجمهوري ، على العكس، بوصفه “نظام الاختلاف”. فبينما تسير سلطة الهويه السلاليه نحو توحيد كل شيء، مدفوعًا بالرغبة والحاجة إلى السيطرة: سلاله واحده حاكمه لغة سلاليه واحدة، مجتمع واحد، هوية سلاليه واحدة، وبالتالي قرار مركزي واحد، تحت قيادة زعيم “سلالي" واحد ؛ يتجه النظام الجمهوري بالمقابل نحو التفريد وصيانة الاختلاف، تجزئة القرار السياسي بدلًا من تجميعه في يد السيد ، وتقسيم السلطة إلى ثلاث سُلط، تشريعية وتنفيذية وقضائية، ومن تلك السلط يتفرع البرلمان والحكومة وجهاز القضاء وجهاز الشرطة والجيش والأمن، ويجب أن تبقى جميعها مستقلة قدر المستطاع، ومنفصلة عن بعضها البعض قدر المستطاع.
وبينما تسير سلطة الهوية السلاليه نحو الاستمرار في الزمن ومحاكاة الثبات والأبد والبقاء في السلطة، بدعوى الحق الالهي كما هي الحال جماعة الحوثي بينما يتجه النظام الجمهوري نحو تحديد زمن الحكم وتداول السلطة ومحاكاة الفناء البشري بدل البقاء الإلهي. وبينما يقوم النظام الجمخوري بشكل أساسي على مراقبة المجتمع لعمل السلطة، لكي يحدد فيما بعد تجديد انتخابها من عدمه؛ تقوم سلطة الهوية السلاليه بشكل جوهري على مراقبة السلطة للمجتمع لتمنع احتمالات الثورة أو الاحتجاج ضدها .
يمكن القول إن مقاومة اليمنيين لسلطة الهويه السلاليه بشكل عام، قامت بوحي من النظام الجمهوري وتحت تأثير ميكانيزماته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تعبيرا عن رفض الشعب اليمني لسلطة الهويه السلاليه وتمسكه بالنظام الجمهوري ، لكن المعضلة التي واجهت شعبنا جاءت مركّبة من طبقات ومستويات عدة، وقادت إلى نتائج كارثية بسبب مقاومة سلطة الهوية السلالية لليمنين وفتحها لباب العنف والاجرام ، على مبدأ “أنا ومن بعدي الطوفان”، واغرقت اليمنيين فعلًا في طوفان العنف ثم الجوع والتشرد والموت.
المستوى الثاني هو أن العنف ذاته، مثل كل عنف في التاريخ، هو أكبر صُنّاع الهوية، فلا يمكن أن يعيش الاختلاف ضمن بيئة عنفيّة، ولذلك كان الهدف الأول للنظام الجمهوري هو السلم وتداول السلطة بشكل سلمي. الفكرة هنا هي أن ميكانيزمات العنف التي طرحتها سلطة الهويه السلاليه حرّضت الهويات الكامنة في المجتمع ، وأجبرت المجتمع على التكوّر ضمن هوياته الأولية،حزبيه وقبليه ومناطقيه وطائفيه ووولخ . ونحّت عناصر الاختلاف وممثليه جانبًا (مثلًا: التظاهرات السلمية، النساء، الناشطين السلميين، الأحزاب السياسية غير المسلحة) جميع تلك القوى باتت غير مؤثرة في نتائج الصراع وتوجهاته، وهو ماجعل مقاومة سلطة الهويه مسأله وجوديه . ؛ فبرزت الفصائل والميليشيات والجماعات السياسية، بوصفها إعادة إنتاج وتمثيل للهوية الاجتماعية والسياسية للمعنَّفين، وبات الاختلاف بين جماعات الصف الجمهوري فيما بينها، وبين سلطة الهويه الأماميه ، خلافَ هوية وليس اختلافًا، خلافًا بين هويات تحتاج إلى العنف وتقوم عليه وتصنعه لتمثله سياسيًا، ولا مكان في هذا النوع من الخلاف الهوياتي لأي نوع من الاختلاف الجمهوري ، بل للنصر والهزيمة فحسب، للإخضاع المتبادل فحسب، للتحشيد الهوياتي سلالي طائفي قبلي مناطقي حزبي ، قضم الأراضي، استقطاب الدعم الخارجي، التهجير.. إلخ. كل شيء مباح في معارك الهوية.
المستوى الثالث للمعضلة قام على أن أنظمة الاختلاف الديمقراطي الغربي لم تكلّف نفسها عناء الضغط السياسي أو العسكري على سلطة الهوية الاماميه ،، بل انها .أخلت الساحة لأنظمة هوية كبرى وصغرى، مثل وإيران والسعودية والامارات وعمان وقطر ، وذلك تبعًا لوصية النهج الأوبامي/الهنتغتوني، بالتفاف الغرب الديمقراطي على ذاته وقيمه وترك الآخرين لشأنهم؛ وهو النهج الذي انتهى بصعود ترامب مع شعاره “أميركا أولًا”، لكن النتيجة الطبيعية لذلك النهج في عصر العولمة كانت عبارة عن انتقال نموذج الهوية ليصبح نموذجًا عالميًا، ويقوّض نموذج الاختلاف الديمقراطي الغربي من الداخل والخارج في آن؛ فاليمين الشعبوي الذي يقود وينتج سياسات الهوية، في أميركا وأوروبا اليوم، هو بمنزلة حصان طروادة أنظمة الهوية داخل نظام الاختلاف الديمقراطي، والمثل الأعلى لقادة اليمين الشعبوي المنتشر في الغرب هو زعماء أنظمة الهوية، وعلى رأسهم فلاديمير بوتين.
إن السؤال الذي يبدو طرحه ضروريًا اليوم، وحلّه مؤجلًا، هو: هل يمكن إعادة اليمن إلى مسار نظام جمهوري مركزي او اتحادي .؟ هل ذلك ممكن ضمن انقسام يمني عنيف ومعزّز بالقوى الخارجية، وضمن شرط محلي وإقليمي ودولي منقسم، هوياتيًا وأيديولوجيًا وسياسيًا، بشكل لا سابق له منذ نهاية الحرب الباردة، ولا سيّما أن قوى الاختلاف الغربي التي كانت هي النموذج الأساسي للثورات لا تعاني هي ذاتها صعود الهويات وسياسات الهوية داخلها فحسب، بل باتت من أكبر
الداعمين لعودة الاستقرار الهوياتي في منطقتنا، مهما كان الثمن، ومهما كان العفن.
الجواب الذي يبدو بدهيًا عن السؤال المطروح أعلاه إذًا هو: لا! قد تكون تلك “اللا” مؤقتة، ولكن لا يمكن، في المدى المنظور على الأقل، إعادة اليمن إلى مسار النظام الجمهوري الديمقراطي ضمن الشرط الدولي الراهن، ليس لأن الشرط الدولي محكوم بصراع قوى متناقضة ولا قطبية ولا يبدو التوازن أو المصالحة أو الاتفاق بينها ممكنًا في وقت قريب، فحسب، بل لأن اليمن ، باتت ضعيفة إلى درجة أنه لا توجد فيها قوّة واحدة قادرة على الاستقلال بقرارها أو مصيرها، أو تحديد مسار ونهاية الصراع، وباتت عالقة في شبكة خيوط عنكبوتية اقليميه ودولية بطريقة، لا مخرج منها إلا باتفاق تلك القوى ذاتها غير القابلة للاتفاق في المستقبل المنظور. وكل مراهنة على القوّة الذاتية للشعب المرهق، والمنقسم هو ذاته إلى شعوب، ليست إلا مراهنة حالمة في واقع تحكمه الكوابيس، وأما المراهنة على سلطة الهويه الاماميه للسيطرة على شمال اليمن او استقرارها فيماتحت سيطرتها ، فهي كالمراهنة على عربة تقودها الأحصنة من كل الجهات، وأخيرًا تبقى الشرعيه الجهة الوحيدة التي لا يراهن عليها أحد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصطفى محمود
التعليقات 0:
تعليقك على الخبر