تفاصيل الخبر

عبدالرحمن البيضاني القيل الذي لا يشبهنا،  في ذكرى رحيله نبكي.

عبدالرحمن البيضاني القيل الذي لا يشبهنا، في ذكرى رحيله نبكي.

أخبار وتقارير / 2022-01-03 14:36:18 / منتدى معد كرب القومي - خاص

 

*مصطفى محمود

 

ليس مهماً إن كان عبدالرحمن البيضاني علمانياً أو متديناً، ريفياً أو بدوياً أو مدنياً، عبقرياً أو بسيطاً لا يعرف القراءة والكتابة، لأن البيضاني كان صانع قيم، وصُنّاع القيم لا يموتون.

 

لم يصنع القيم عبر خبرته ومعرفته الواسعة، أو علمه وتعلّمه وتعليمه الكبير، فقد كان في سنوات العشرون من عمره عندما قامت ثورة 26سبتمبر المباركه
فكان يسائل الحياه غاضباً عن القهر والظلم الإمامي ولايجد إلا جوابا واحدا هو ضرورة المشاركه في الثوره اليمنيه فكان أحد القائمين بها وحراس مرماها بكل قسوتها، أدرك البيضاني باكراً خطر الهاشميه على اليمن أرض وإنسان، وأول من حاول بعث الهويه القوميه اليمنيه كان وقتها صبياً يغني في مسارح الاحداث الثوريه والسياسيه من دون أن يعلم أن رفاقه الجمهوريين سيحاربونه ويشوهونه دفاعا عن الهاشميين، لم يعلم أن كل ماقاله سيتحقق بعد ستون عاما من قيام الثوره، ولم يعلم انه سيخلد بعد موته مثل ألابطال القوميين في الأساطير الإغريقية.

 

لم يصنع البيضاني قيماً للفكر والتفكير ، فالابطال القومييون لا يصنعون قيماً بعقولهم وحسب بل أيضاً بوجودهم ذاته، لا يصنعون المعنى بنظرياتهم الفلسفية والعلمية والأخلاقية وحسب، بل أيضاً يخلقون المعنى بحظور غيابهم و يخلقون المعالم القومية النابضة في حياة شعوبهم واجيالها المتعاقبه.

 

إيمان البيضاني بالهويه اليمنية لم يكن متعالياً أو مثالياً أو معقداً أو محكوماً بحسابات الربح والخسارة والمجد وكل المفاهيم المركبة. كان إيماناً بديهياً بسيطاً كشربة ماء، واضحاً كأفق مفتوح، قاسياً كشعور القهر، صادقاً كضحكة الأطفال.

 

لم يكن البيضاني مثلنا، كان حراً من الأيديولوجيا التي حاصرته فخرج منها بلا تنظير ولا اعتذار، حراً من صراع الأفكار الغيير يمنيه. ترك وجهه مكشوفاً ومفتوحاً لرياح الهويه اليمنيه، طحنته عواصفها وتناقضاتها وتقلباتها، تحدث عن خطر السلاله الهاشميه وشخص مواجع اليمن واقترح الحلول الضامنه عدم عودة الإماميون بثوب جمهوري، لكن للأسف حينها لم يجد لصوته صدى في أرواح اليمنيين وعقولهم، عندما كان يلاحظ ازدياد مخاطر الهاشميه علي اليمن والجمهوريه ومكتسباتها كان الحرف القومي المسطور سلاحه الأول.

 

حمل البيضاني السلاح من أجل تحقيق الثوره ثم حارب بالكلمه ليحرس بقاءها على مدى سته عقود وهي ماتبقى من عمره، كانت البوصلة الجمهوريه واضحة في عقله وروحه ضد الظلم، ضد القهر والعبودية. فحارب حتي النفس الاخير.

 

لم يكن بوصلة البيضاني الجهاد ولا السلاح ولاالتحالف ولا الايديولوجيا المستورده من خارج منوع التاريخ اليمني كانت بوصلته حرية الشعب اليمني واستقراره وتقدمه بدافع شعوره القومي والوطني والانساني بأحقية الدفاع عن شعبه ضد السلاليين المتربصين وضد الظلم والقهر والعدالة المسحوقة، كان البيضاني مثل الحقيقة الثابتة أمام عبثية دولاب الهاشميه الزمنيه وانصارها المنحطين، كل الأفكار والأيديولوجيات والمعاني الكبرى كانت تحت قدميه، أدوات غير مفهومة لما هو مفهوم لديه بالحدس القومي اليمني طرق معقدة لطريقه الواضح. لم تثبت تحولاته عن النهج الجمهوري والهويه القوميه إلا أنه كالحياة، تتغير وتمضي، تعلو وتهبط، تجري وتتدفق ولا يعنيها سوى هدف واحد، هو خلق المعنى لمن يحيا.

 

كثيرون رحلوا، كثيرون هاجروا، كثيرون هُجِّروا، كثيرون غادروا جمهوريه لم تعد تشبههم، كثيرون اختاروا طرقاً أخرى للجمهوريه، كثيرون عادوا لمملكة الصمت والهزيمة، كثيرون فضّلوا الأمان على الحرية، كثيرون تابوا، كثيرون نسوا، كثيرون ماتوا قهراً.. إلا القيل عبدالرحمن البيضاني لم تتغير بوصلته، لم يمت قهراً، لم يرحل إلا ليعود، لم يمت عجزاً، لم يمت صمتاً… مات قومياً يمنياً واقفاً، مات فاتحاً صدره للعدم، مات غير معنيٍّ بالعدم، فالموت حرية أيضاً، لطالما ارتبطت الحرية في اليمن بالعدم.

 

مات بسيطاً كرائحة الخبز اليمني، غريباً كإله في الأساطير القديمة، قريباً كالمجد السبئي والحميري أو حكاية من حكايا جدوده الملوك اليمنيين.
مات من دون أن يسأل ما معنى المعجزات، فقد كان يعيشها، من دون أن تعنيه معاني البطولات، فقد كان يجسّدها، مات مثل موت الله عند نيتشه، عندما لم يعد للأمل قيمة ولا معنى.

 

تجسّد حكاية عبدالرحمن البيضاني كل ما نهرب منه نحن الناجون الأحياء، الخوف من الموت والبكاء على الموتى، الخوف من مواجهة الإرهاب الهاشمي السلالي ومن قتلهم وقتالهم ، الخوف من بعضنا البعض الخوف من الفشل في استعادة الجمهوريه وبناء الدوله، الخوف من انعدام المعنى، من مواجهة انعدام المعنى.. الخوف من قسوة الحرية ولا أمانها في اليمن، اليمن التي حولها الهاشميون الى مقبرة، لنا.

 

تجسد حكاية البيضاني حكاية ثورة 26 سبتمبر اليمنيه، حكاية الجمهوريه التي رقصت وتمايلت على ألحان الأمل في البدايه، الجمهوريه التي نزفت أجمل أبنائها في العراء من دون أن يضمّدها أحد، الجمهوريه التي أثارت رائحة دمائها الهاشمييون ومعهم كل ضباع الأرض لتنهش في لحمها بعد سته عقود من ولادتها، الجمهوريه التي لبست ثوب القوميه اليمنيه عندما تُركت عارية أمام عين التاريخ الوقحة لجماعة الحوثي السلاليه القادمين من أصقاع التاريخ تهشها وتطمس ملامح وجهها وتسحق مفاتنها وجمالها، الجمهوريه الباقية رغم أنف التاريخ وضداً من ميوله الفاشية، ميوله التي يحركها اليوم أتفه طقم حوثي هاشمي وسياسي حاكم في التاريخ المعاصر من مشارق الأرض إلى مغاربها.

التعليقات 0:

تعليقك على الخبر