عقلانية مشبوه..
أخبار وتقارير / 2021-12-14 11:45:47 / منتدى معد كرب القومي - خاص
*محمد دبوان المياحي
من يرفضون القول إن الهاشميين سلالة عنصرية ومُجرمة
ويتوجّب حظرها، هم لا يعترضون على ذلك بدعوى الحصافة
في الخطاب، ورفض تعميم الجريمة على الهاشميين
جميعهم؛ لكنهم يريدون تمييع الخطاب المناهض للجرائم
الهاشميّة، وتغييب الأسباب الأصلية للجريمة من مضمون
الخطاب.
أي أنهم يدعون إلى مناهضة السلوك العنصري الواقعي مع
عدم المساس بفكرة العنصرية؛ كمولّدة لهذا العنف.
والحقيقة أنه لا وجود للهاشمية كفكرة عنصرية بدون حاملها
البشري، الهاشميين، ولا يمكن تفكيك الفكرة دونما تجريد
الحامل لها من اللقب، فلا وجود لهاشمي وطني، الهاشمية
فكرة نقيضة للوطنية والمواطنة، ولا يمكن تذويب من
ينتمون إليها داخل السياق الوطني قبل انهاء الفكرة.
إن هذا الاعتراض لا يخدم الضحايا ولا يخدم فكرة العدالة
أيضا، فهو اعتراض مثالي ينتصر لخطاب المُجرم
الحوثي/الهاشمي بأكثر ما يضبط حديث الضحية، فالحوثي
لا يقول إنه يقتلنا بدوافعٍ سلالية هاشمية، بل يحاول دوما أن
يروّج لفكرة زائفة، مفادها أن حربه وطنية شعبية، يشترك
فيها الجميع.. وبالتالي حين نستبعد من خطابنا عبارة الجرائم
الهاشمية، فنحن نعزز خطابه هذا، ونمنحه طابعا وطنيا زائفا
يغفل حقيقة جرائمه.
عندها يصبح الحديث عن جرائم الحوثي أشبه بصراخ غامض
يطلقه الضحايا ضد عدو غير محددة صفاته، وبهذا يفقد
الخطاب وضوحه وقوّته التأثيرية. هكذا يتضح لنا أن
المعترضين لا يخدمون منطق العدالة كما يدّعون، بل
يُسهمون في تشويش صورة المُجرم الأصلي وتحويله من
قاتل متعيّن ومعروف إلى مُجرم ضبابي بحُجة أنه قد يكون
هاشميا وقد يكون قبيليا مجندا معهم، مع أن المنطق يقول
إن كل قاتل يعمل مع الجماعة الحوثية: هو مجرم يشتغل
لخدمة الهاشمية، ويدافع عن فكرتها، ولو لم يكن هاشميًا
مؤمنا بالفكرة العنصرية، فما يهمنا أن الدوافع الأساسية
للجريمة المفتوحة (الحرب)، التي دشنها الحوثي، هي دوافع
عنصرية بهدف التحكّم بمصير البلد، وحكم المجتمع بالقوّة.
أول شرط لانتصار الضحايا في نضالهم المشروع: هو تحديد
هُوية عدوهم، والإشارة إليه كمجرم بكامل صفاته المعروفة،
وتحديد أسباب ودوافع جريمته، هكذا يكون النضال ضده
معركة واضحة الملامح، يقف فيها الضحايا في مواجهة عدو
أصلي يحمل كل دوافع الجريمة بداخله، وهو ما يمنحك
المشروعية في خوض معركتك ضده، وكل من يعمل معه،
دفاعا عن حقك الطبيعي في الحياة، لجانب تفكيك دوافع
جريمته، وتأمين الأجيال من خطرها مستقبلا.
إن الحساسية الشعبية المُبالغ فيها تجاه الهاشمية
والهاشميين، ليست سلوكا خطرا بقدر ما هي احتراز تاريخي
يهدف إلى منع تكرار مهزلة السلالة، ويدمّر بذور العنصرية
من أساسها، وبالتالي فهو نشاط جذري لحماية فكرة
المواطنة الآن، وفيما بعد وحتى الأبد.
وهنا تكمن عبقرية الفكرة القومية، فهي ليست نشاطا
حقوقيا ناعما يرفع شعار المواطنة كمطلب مجرد ومكشوف؛
بل نضال تاريخي يهدف إلى تأسيس فكرة المواطنة
وحمايتها في الوقت نفسه.
"إنما المؤمنون إخوة"؛ لكأن الحوثي حين شنّ حربه علينا لم
يكن يعرف أننا إخوته، بالطبع كان يعرف ذلك؛ لكنه لا يعترف
بنا، وحين نذكّره بهذه الحقيقة البديهية، فنحن لا نُسهم في
تقويض عنصريته، بقدر ما نكشف عن لغة استجداء، مع
خصم يراك أخفض من أن تتساوى معه على قاعدة الأخوة أو
المواطنة أو الإنسانية.
علينا أن نعترف بأن شعار الإنسانية رخو وفارغ ولا يصلح
كرافعة سياسية لمواجهة أيديولوجية عنصرية كمنهج
السلالة. الإنسانية مصطلح عمومي لا يتضمّن أي طاقة
تدافع عن مصير شعب؛ يتعرّض لأكبر عملية سحق في
تاريخه.
بل إن شعار الإنسانية يُسهم في تبريد منطق التدافع وبث
الهشاشة في وجدان الجيل المستباح، فيما هو الآن بحاجة
إلى استنفار بواعث القوّة الكامنة فيه أكثر من التوشح
بمنطق النعومة الإنسانية، لحراسة وجوده المهدور.
الإنسانية: هي شعار أقرب للمظلة العاطفية منه للمفهوم
الفكري الفعّال في سياق الصراع البشري، قد يبدو المصطلح
جذابا في إيحائه العام؛ لكنها جاذبية رومانسية أقرب
لمفاهيم الود والطيبة البشرية والتعويل على الصلاح الذاتي
للبشر، دونما رادع مضاد يجبرهم على ذلك.
فيما الحقيقة أن الحياة لا تستقيم بفعل الصلاح الذاتي
للبشر، ولا الوعظ النابع من نوايا حسنة؛ بل بموجب الردع
والالزام القانوني لهم، وحتى في حالة القانون نفسه، فالناس
لا يخضعون للقانون إيمانا به؛ بل خوفا منه.
في حالة كهذه تبدو القومية اليمنية أقرب إلى المنطق
القانوني في اشتغالها، إنها حالة تدافع فعّال؛ تستبطن
منطق الردع لفرض السلام؛ بدلا من التعويل على الصلاح
الذاتي لخصوم منحرفين، لا يكفي أن تذكرهم أنهم إخوة لنا؛
كي يهتدوا؛ بل عليك أن تلزمهم بذلك قولًا وفعلًا.. وتواجههم
بنفس المنطق الحاد وغير القابل للمساومة.القومية فكرة
منسجمة مع كل مفاهيم الدولة المدنية الحديثة، ولا أحد
يمكنه المزايدة عليها، أو مطالبة الضحايا أن يرفقوا
بجلاديهم؛ تحت أي حجة.
من هنا، يكون الحديث عن عنصرية موازية ليس حديثا
خاطئا فحسب؛ بل يمثل دفاعا مبطنا عن العنصرية الأصلية
-بقصد أو بدون قصد- فأنت حين تنعت الحراك المناهض
للعنصرية بكونه عنصرية موازية، تسهم في تشويش الرفض
الشعبي تحت مبرر عقلنته. تماما، كما لو أنك ترفض
مناهضة الفساد، وتنعتهم بالصفة ذاتها، فلا شك أنك بهذه
الحالة تعيق عملية مكافحة الفساد.
التعليقات 0:
تعليقك على الخبر