تفاصيل الخبر

الوعل بين الرمز والجمال في اليمن عبر التاريخ

الوعل بين الرمز والجمال في اليمن عبر التاريخ

أخبار وتقارير / 2025-01-23 07:17:01 / منتدى معد كرب القومي - فاطمة سالم صالح محمد

 

تتجلى عبقرية اليمني القديم في اختياره الوعل رمزًا لحضارتـه، بـل وكان يُقدِّسُه أحيانًا، فقد اتّخذه رمزًا لإله القمـر السبئي إلمقــه، وذلك لقرونه المنحنية، التي تتخذ شكـل الهلال، وربما كـان يرمـز للحماية؛ لأنه كان يوضع على المداخل الخاصة بالمعابد والمنازل. 

 

 وقد عرف الإنسانُ الرسمَ منذ العصور الحجريّة، فكان يرسمُ على جدران الكهوف وصخور الأودية، وكان رسمُه يُعبِّر عن حياته اليومية، ثم بعد ذلك شيَّد المباني وزيّن واجهاتها بأشكالِ ورموز معتقداتهم الدينية، منها الأسد والثور والوعل، واهتم في النِسب التشريحية، والشكل، والملامح، وكانت هذه الحيوانات تُنحت منفصلة، أو تكون وحدة زخرفية كأفاريز للمعابد والمنازل، أو على اللوحات النذْرية. 

 

أحتل الوعلُ اليمنيُّ مكانةً خاصة في الفنون والمنحوتات عند اليمنيين القدماء من بين الحيوانات الأخرى، ذلك بسبب الارتباط العميق فيما بينهما، فقد توصَّل إلى تقديسه في معتقداته الدينية من خلال تجسيد صورته بكثرة في مختلف الأعمال الفنية، كالرسوم الصخريّة عن طريق تصوير مشاهد صيد الوعول على جدران الكهوف أو الصخور في العصور الحجرية، والمنحوتات، والزخارف المعمارية، وعلى الأدوات المنزلية، وعروش الملوك والأقيال.

 

ومن المعروف لدى المهتمين، أن النّحَّات اليمني القديم قد اهتم بإخراج أشكال الرموز الدينية بعناية فائقة، نظرًا لما تمثِّله من أهميةٍ دينية. الأمر الذي نرى فيه وضوح الملامح، والمحافظة على نسب الجسم متوازنة، خاصّةً في حال تجسيد التمثال كاملاً، أو كتلة الرأس بارزة في مجموعة الأفاريز، وقد أوضح الجوانب منها في نهاية صف الرؤوس إذ يبرز الجزء الأيمن والأيسر مع الأرجل واقفةً بهيئة خطين متوازيين، وكانت العيون بارزة والوجه يمتاز بالاستطالة.

 

وتظهرُ الوعولُ في فنِّ النحت بصورةٍ خاصة وقرونها مواجهة وأجسامها مصورة من الجانب، أو بأوضاع جلوس القرفصاء في مربعات لتزيين العروش وموائد القرابين على شكل (أفاريز الوعول)، وهو نمطٌ معماريٌّ فنِّي ديكوري، استُخدِم لتزيين واجهات المعابد وجدرانها الداخلية، إذ نرى ذلك في الجزء العلوي من سور معبد(إلمقة) في صرواح العاصمة القديمة لمملكة سبأ، ويمكن مشاهدة سور المعبد المستدير تُزيّنه في الأعلى أفاريز من رؤوس الوعل خاصة في الواجهة الشرقية، كما كشفت أعمال التنقيب الأثري التي اجريت في معبد ألمقه برآن عن العديد من القطع الحجرية من أفاريز الوعل التي كانت تزين جدرانه الداخلية. ولا تزال الكثير من هذه الانواع متواجدة في مواقع أثرية كثيرة وفي قاعات المتاحف اليمنية وفي الخارج الكثير من هذه الأفاريز المنحوت أغلبها من حجر الجيري الأبيض (البلق) والرخام والمرمر ونادراً من الخشب. ومظهرها الجميل في صف رؤوسها المستطيلة الوجوه والملتوية القرون، متجاورة تبرز أشكالُها من كتلة الحجر المنحوتة منه.

 

إلى جانب ذلك اهتم النحاتُ اليمني القديم في نحت أشكالها كمقدمة لمنحوتات الأعمال الهندسية المحورة، والمنحوتة من الحجر أو المصنوعة من المعدن. كما جاءت مرافقة للمسارج البرونزية التي تشبه في شكلها القارب إذ نراها معتليةً المسرجة مرتكزةً بقوائمها الخلفية أو الجزء السفلي من بدنها على مؤخرة المسرجة، وتظهر متوثبةً في حالة حركة بقوائمها الأمامية، كما تظهر في لوحات من الحجر الجيري والرخام، مزينةً لكتابات نذرية بخط المسند، وعلى عروش الملوك والأقيال والمجالس العامة.

 

 ولم يقتصرْ وجودُ الوعلِ على المباني القديمة، بل زين أيضًا واجهات المباني الإسلامية، بما فيها مباني صنعاء القديمة وذمار وحضرموت، حيث كان يضع قرني الوعل في زوايا المبنى، أو عن طريق نحته في أفاريز نُفِذت إما بطريقة متتالية أو متعاكسة تُزين بها واجهات المباني كوسيلة للتعبير عن الإبداع والهوية والثقافة، من خلال دمجه مع عناصر زخرفية هندسية، وذلك لإضفاء طابع فريد وجذب السياح، بالإضافة إلى الحفاظ على التراث المعماري المحلي. 

أختتمُ المقالَ بدعوةٍ إلى الحفاظ على التراث الثقافي والفني وتبني فن الوعل كجزء من التصميم المعماري للمستقبل، مع التأكيد على أهميته في تعزيز الجمال والهوية.

 

#يوم_الوعل_اليمني 

#من_الجذور_نحو_المستقبل 

التعليقات 0:

تعليقك على الخبر