اليمنيون وبني هاشم.. معركة الألف عام.
منتدى معد كرب القومي
حفظ الله العميري
منذُ دخول الهادي الرسي "الذي يقول بانتسابه للنبي والسلالة الهاشمية" إلى صعدة شمال اليمن عام 280 للهجرة تحولت البلاد إلى رهينة باسم الدين للهاشميين، وولاية السبطين وادعاء الأفضلية والحق الإلهي بالحكم، وتحول اليمنيون منذ ذلك الحين رغم مقاومتهم لهذا المشروع الدخيل إلى سُخرة يهانون على أيدي هذه السلالة التي لجأت إلى اليمن لتنجو بجِلدها من جٙلد الأمويين فتحولت فجأة من لاجئ خائف وعلى غفلة من أصحاب الأرض إلى جلاد غليظ بسيف الله المزعوم.
ألف عام من الضياع، تم تحويل اليمن فيها من أكبر مصدري البن واللُبان والسلام إلى مصدر للصرخات والموت والقلق والمشردين، وتحول فيها اليمني -حفيد حمير وسبأ- من ملك عظيم وتاجر ملهم وصانع معجزة المدرجات الزراعية الغناء، والمدن والقلاع الأثرية، إلى مصدر قلق لجيرانه وعالة على محيطه وأمته أو "عكفي" لتثبيت هيمنة بني هاشم على الحكم والثروة في أحسن الأحوال.
مشكلتنا في اليمن أزلية وليست وليدة الحاضر، أكثر من ألف عام يعاني اليمني -ابن الأرض- فيها الأمرين من أقلية هاشمية مهاجرة استقبلها بكرمه المعهود، فنكثت عهودها وانقلبت عليه وحكمت جزء من أراضيه على فترات بالقوة، مدعية حقاً إلهياً لها بالتسلط لم تورده رسائل السماء ولا شرائع الأرض، واستخدمت كل الطرق والأساليب الملتوية لإهانتة وإذلاله وطمس تاريخه وحاضره ومستقبله واستبدالها بثقافة دخيلة ومستوردة تستدعي الخرافات، وتجره إلى الماضي الغابر، وخرافة آل البيت القاتلة.
المتابع للشأن اليمني منذ أن نفذت ميليشيات الحوثي انقلابها المشؤوم على الدولة يصاب بالذهول، لقد أعادت هذه الميليشيات إنتاج حكم الإمامة الهاشمية المستبد بكل مخلفاته الدينية والفكرية والاجتماعية، في تحدٍ سافر لإرادة اليمنيين التي قضت على هذا الحكم الإمامي المتخلف صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر قبل ستين سنة من الآن. لم تكتف بذلك فحسب، بل أعادت نزعات اجتماعية وعنصرية سنها الأئمة أثناء حكمهم لليمن، كالتقسيم الطبقي لأبناء المجتمع اليمني إلى "سادة" -ويقصد بهم كل من ينتمي لهذه السلالة- وهم أعلى الطبقات حسب هذا التصنيف ولهم مميزات كثيرة على أبناء المجتمع ويستخدمون سلطتهم الدينية لاستعباد الطبقات الأخرى، و"قضاة"، و"قبائل"، و"مزاينة" و"جزارين" وهذه أقل الطبقات تهميشاً ويتم التعامل معها بشكل عنصري مرعب تصل إلى العزل المجتمعي المهين.
وتم استخدام هذا التقسيم بكثافة عند سيطرتهم على مراكز ومؤسسات الدولة في صنعاء والمناطق الخاضعة لهم، وكل من لا ينتمي لهذه السلالة إما أن يتهم بالانتماء لداعش فيتم تصفيته أو اعتقاله -كما حدث مع آلاف من معارضيهم- وإما أن يتم إقصاؤه إذا كان من مناصريهم أو أن يتم استخدامه كوقود للحرب في الجبهات المشتعلة، أو كأداة لتحقيق غرض ما ليتم التخلص منه لاحقا، كما حصل مع كثير من الإعلاميين ورجال القبائل الذين وقفوا معهم أثناء الاجتياح البربري للعاصمة، حيث تم اعتقالهم وتصفيتهم أو التضييق عليهم مما اضطرهم إلى النزوح أو الهجرة.
من الخطأ وسوء التقدير النظر إلى القضية اليمنية كقضية مرحلية أو سياسية بدون التطرق إلى بعدها التاريخي والأيدلوجي والفكري ومنحه حقه من التقييم والدراسة والتفنيد، ما يحدث الآن ما هو إلا حلقة من مسلسل دموي مستمر من قرون، مرحلة الصراع الحالية بين اليمنيين وبني هاشم ليست إلا محطة من محطات الصراع المرير الذي تشنه هذه السلالة على أبناء هذا البلد منذ ألف عام، تعاملت فيها مع ابن الأرض بقسوة وصلف مؤلم كما تم التعامل مع الهنود الحمر في أمريكا بعد الاكتشاف، ويبدو أن هذه الحالة ستستمر ما لم ينهض المارد الحميري من سباته الطويل ويستعيد حضارته ومقدراته وأمجاده.
التعليقات 0:
تعليقك على المقال