"تيس اسود على شعرة" قصة "التنافيذ" و"عسكري البقاء" في عهد الإمامة
منتدى معد كرب القومي
حفظ الله العميري
رغم الصورة القاتمة التي تبدو للمتابع عن حال الجمهورية في الوقت الراهن إلا أن نظرة فاحصة تدفعنا إلى القول إن الحركة الوطنية المناهضة لخرافة الولاية والاصطفاء الإلهي في الحكم، تمر حالياً بأزهى عصورها منذ ثورة سبتمبر.
حيث أن عودة الإمامة بنسختها الحديثة المتمثلة بحركة الحوثيين وجرائمها المتواصلة بحق التاريخ والهوية والإنسان اليمني، في عصر "الرقمنة" و"السوشال ميديا" وتدفق المعلومة والصورة عبر مختلف الوسائل، أدى كل ذلك إلى انتشار الوعي بشكل كبير بالتاريخ الأسود لهذه الحركة السلالية، واستعراض جرائمها التي أخفيت عن الأجيال اليمنية في عهد الجمهورية، ما مكن الجيل الحالي من محاكمة هذا التاريخ وتمحيصه والإستفادة من مخزونه الأسود لكي لا نكرر التجربة في المستقبل.
خلال مروري على بعض الكتابات، استوقفني الحديث عن جريمة مهمة ومقيتة، وهي منسية لحد ما في كتب التاريخ التي وثقت تلك الحقبة البائدة، وهي جريمة "التنافيذ" و"عسكري البقاء"، حيث يرسل عمال الإمام عساكر إلى بيوت معارضيهم الفارين، أو من يرفضون تسليمهم محصول أراضيهم، ويبقى هؤلاء العساكر في البيوت إلى أن يأتي الشخص الفار من وجه هذا الظلم ويسلم نفسه لهم.
يرتكب عساكر "عامل الإمام" خلال مدة إقامتهم في منزل "الرعوي" أبشع الإنتهاكات التي تمس صميم عادات المجتمع اليمني المحافظ، ويخيفون الأطفال ويهينون النساء، بل ويستخدمون القوة ضدهم كالضرب بأعقاب البنادق وغيره، في جرائم تاريخية منافية لأعراف وتقاليد اليمنيين، ولتعاليم الإسلام، وكل الأديان السماوية.
كان جدي يروي لي بقهر تفاصيل تلك الجريمة، وتصرفات عسكري الإمام مع الأهالي حينها، حيث يفرض على الأسر التي يتنفذ عليها ذبح "تيس اسود على شعرة" يومياً، والتيس الأسود في بلادنا معروف بلحمه الطري، وأيضاً وجبات كالبيض والعسل والسمن البلدي، وهي وجبات لا تتوفر لدى الأهالي حينها، وكان الناس يعانون مجاعة في ذلك الوقت بسبب التسلط والفساد الإمامي، فيضطر الأهالي الذين يعانون العوز للإستدانة، بل وبيع أشيائهم الثمينة لتوفير هذه المتطلبات.
كان هؤلاء الأشباح يمارسون كل أنواع الإهانات بحق الأهالي، ويباتون في البيوت، دون مراعاة لحرمتها ولحرمة الأعراض والنساء والأطفال، ويمارسون كل انواع البلطجة والترويع والضغط لإجبار الفارين من الظلم على العودة والرضوخ، وفي حال أصر الفارون على الرفض، كان نظام الأئمة يفرض أخد رهينة من العائلة، يمارسون ضده كل أنواع الظلم والتعذيب وممارسة العزل الإجتماعي والتشويه المهين.
هذه حلقة واحدة ونقطة صغيرة في إرث الجرائم المنسية في عهد الإمامة، وقد عادت هذه الجرائم مع ظهور الإمامة مجدداً في الوقت الحالي بقناع جديد وهو حركة الحوثي، وبشكل أكثر دموية مما سبق، حيث كان آخر جرائمها قتل جهاد الأصبحي قبل أيام في محافظة البيضاء، والكثير من جرائم هذه السلالة التي نشاهدها بشكل يومي، هي تكرار لماضيهم الأسود، مع اختلاف أن هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم، وهناك جهود لتوثيقها، وحصرها، بما يمهد لمعاقبة هؤلاء المجرمين وإنصاف الضحايا، وتسليط الضوء على التاريخ المظلم للسلالة ومحاكمة جرائمها بحق اليمنيين، ووضع أسس قانونية لمنع تكرار هذه الجرائم فيما بعد.
يجب أن نهتم بالتوثيق لحفظ حقوق الضحايا وعدم التسامح مع مرتكبي الفظاعات، فهذه الجرائم إن مرت كسابقاتها بدون توثيق وأرشفة، فسيطمرها النسيان، وإذا حدث وسمحنا لمصالحات غير عادلة أن تجرفها كما حدث في السابق، فإننا بذلك نساهم في وضع البذور لموجة جديدة من الجرائم والحروب التي سيكتوي بنارها أبناؤنا واحفادنا في المستقبل.
التعليقات 0:
تعليقك على المقال