تفاصيل المقال

الوعل بين الرمزية والاتهامات العقدية

الوعل بين الرمزية والاتهامات العقدية

منتدى معد كرب القومي

منتدى معد كرب القومي

 

 

د. ياسر الشرعبي

 

الرموز والمصطلحات منتجات تحمل دلالات تتسم بالحركة والسيرورة والصيرورة، فقد تشهد رحلة فناء متدرجة وتنتهي بالإهمال، وما أكثر المهملات في معاجماتنا العربية وحياتنا الاجتماعية والسياسية، وقد تشهد بعض المصطلحات عملية إنعاش لتبدأ حياة جديدة كمنتج استهلاكي جديد، وقد يكتب لكثير منها البقاء فتتسع دلالتها تارة مع الاحتفاظ بالمعنى الأولي أو القاموسي، وقد تفقده وتحمل دلالة أو دلالات جديدة، وهناك مصطلحات ورموز تضيق دلالاتها، فتصبح خاصة أن بعد أن كانت عامة أو العكس، وقد تنقل من حقل دلالي إلى حقل آخر (من الحقل العقدي إلى الحقل السياسي أو الاجتماعي)، وللبيئات الاجتماعية والفعل السياسي أثر في إنتاج هذا المشهد المصطلحي. وهذا عام في مصطلحات العلوم الإنسانية، وله صلة بالأحداث وحركة الإنسان. ويجب أن ينظر إليها في سياقاتها القائمة لتكوين تصوراتنا الصحيحة، وبناء أفهامنا الدقيقة، قبل اتخاذ مواقفنا المتعددة لقبولها أو رفضها.

 

وغالبًا ما يقع التعدد في الأفهام لتلك الرموز نتيجة التصورات الناقصة أو الخاطئة أو عدم اكتمالها، أو نتيجة فصلها من سياقها الصحيح، أو التعامل معها من منطلق (عنزة ولو طارت)، ولا علاج لأصحاب العنزة. وأهم سياق لدلالة الرموز هو المُنْتجِ أو المستعمِل، وقوله هو الفصل والبيّنة عند حدوث اللبس لدى المتلقي لأي عارض. ولك أن تتخيل فردًا (كاتبًا، شيخًا، داعية، إعلاميًا…) تقول له: الوعل رمز ينتمي إلى الحقل السياسي والحراك الثقافي والاجتماعي، وهو يقول لك: هذا يجب أن يكون في باب العقائد؛ ولك عندئذٍ أن تتخيل صعوبة إقناع صاحب العنز أو العنز نفسه. تقول له: الوعل بقرنيه لكسر كبريا وعنصرية دخيلة على ثقافتنا، ومناطحة أدعياء التمييز والاستحقاق، فيجيب: إني أشتم منه نتن العنصرية والمخالفة العقدية.

 

الوعل والدلالة العُرفية

 

قد تسمع سردًا من فقيه أو محدث أو لغوي عن مراعاة الشريعة للعُرف، وكيف اعتدت بذلك، وأنها جعلته دليلًا تبنى عليه الأحكام الفقهية وغيرها من التعاملات في المسائل التي لم يفصل فيها دليل قطعي الدلالة والثبوت، وهو المقرر أصوليًّا، ثم قد يغيب ذلك عند بعضهم في التنزيل العملي والتعامل مع ما قد يشكل علينا، ومن صور ذلك الضجيج في الأقيال كظاهرة والوعل كرمز، وكان ينبغي على الفقهاء أو من يقترب بكتابته من النفس الفقهي أو الأحكامي أن يستصحب العرف الذي درج عليه من يؤمن بهذه الفكرة ويتبناها، والاستفسار بشكل واضح وجلي عن هذا الرمز: ما مرادكم بهذا الرمز؟ وما أبعادكم؟ ولماذا في هذا التوقيت؟ ويثير جملة من التساؤلات لتكوين صورة كاملة قبل إصدار الأحكام أيا كانت، مع أو ضد، وألا يتجاوز العرف إلا بدليل قطعي لا منشور فسبوكي أو منشورات يتيمة؛ ولهذا تعجب كثيرًا حين تقول له مرادنا كذا، وهو يأخذك بعيدًا ليحاكمك إلى أفعالهم لا إلى أفعالك: ويردد لقد عبدوه لقد عبدوه. ولتصبّر نفسك تذكر صاحب العنز أو العنز نفسها.

 

لعلك قبَّلت أو غمزت

 

وأنت ترى محاكمة الرموز (الوعل أنموذجًا) تتذكر أقوال ومواعظ كثيرة عن ضرورة استصحاب الأصل في التعامل، والحرص على هداية الناس والتماس الأعذار، وأن على الفقيه ألا يطير فرحًا بزلة ليبني عليها حكمًا ويعمم بل وتتذكر تعامل نبينا في قصة ماعز بن مالك الذي كان معترفا اعترافا صريحا بالزنا فقال له: (لعلك قبلت، لعلك غمزت)، ثم تجد بعض من يسردون تلك القصص يتشبث بكل شاردة وواردة لإثبات ما استقر عنده أو صحة ما ذهب إليه أو ليبقيك خارج مربعه، بل وتخجل حين تجد من ينادي أين أنصاري، ويا للمناصرين، فذلك مناف لمنهج العلماء الراسخين في العلم الحريصين على هداية الناس والباحثين عن الحقيقة.

 

تساؤلات:

 

ولكي نعلم ما يحصل من عبث وتسطيح للأشياء لنقنع بها الجماهير متى شئنا، وإن غلَّفنا ذلك بعبادة الدين والحرص عليه أضع هذه التساؤلات:

 

أتتغير دلالات الرموز أم هي ثابتة؟ وهل تتسع دلالاتها تارة وتضيق أخرى أو لا؟ وهل تتجدد أبعادها التداولية أو لا؟ وهل تتغير سيميائيات الرموز؟ وما الذي يُحدث هذا التغير؟ وهل تكتسب الأشياء دلالات جديدة تبعا للتحولات السياسية والاجتماعية والدينية؟

 

ولمقاربة أكثر وللتقريب فقط لفهم رمزية الوعل: أعبدت الشمس أو الوعل أكثر في اليمن؟ وهل لابد أن نستمر في التعامل مع الشمس كآلهة؟

 

لفتة: إن كنا قد نسينا أن قُرانا ومدننا بمن فيها كانوا يوجهون أطفالهم إلى رمي أسنانهم إلى الشمس وإلى وقت قريب، بل ويطلب الشخص منها سن غزال دون اعتقاد منهم أنها آلهة بل لكون ذلك سلوكًا متوارثًا لا يُقرُّون عليه، فضلًا عن أنها اتخذت رمزا في حراك وفعل سياسي معين، ولم يقل أحد أنهم عبدوها، وذلك منطق العقل، والسياق الصحيح في التعامل مع الرموز، ولا يصح إقحامها في باب العقيدة.

 

وقل مثل ذلك عن الهلال الذي اتخذ رمزًا لحزب، وكان قديمًا يعرف بإله الخصب، وأظن بعضنا يتذكر ما كان يحصل حين الاستسقاء، وكيف يتجمع الأطفال ويرددون بصوت جماعي: (يا قويس يا عنتر علمنا بتان اشتمطر) يقولون ذلك حين يظهر قوس قزح، ومنطق العقل يقول: إن الحزب اتخذه مجرد رمز بعيدًا عن الاعتقاد، ولا أظن أحدًا عاقلا يقول إنهم اتخذوه إلهًا إلا صاحب العنز.

 

وإن كان الوعل قد وقع ضحية وقدِّم قربانًا لعثتر (القمر) كما يسوّق له، فما ذنبه أن يكون ضحية فهم وتصور قاصر لسياقه في واقعنا، وما جرمه حتى يقدَّم قربانًا للحوثي من منطلق محاربة العنصرية المتوهمة في هذا الحراك.

 

وهكذا لنقل في الرموز الأخرى، فلماذا تلك رموز والوعل آلهة؟ إن مراعاة العرف مهم في التعامل مع الرموز والمصطلحات بل والأحكام الفقهية الشائكة فيما لا نص فيه، فكيف برمز أنتج في سياق سياسي وفكري.

 

وختامًا: ألفت نظر الغيورين على التدين أنهم في اليمن ظلوا لسنوات يحملون عملات يمنية عليها أصنام لا لبس فيها تبعًا لمفهومهم وتعاملهم مع الرموز اليمنية، ومع ذلك لم ينتقدوها لكونها محمية بسلطة ومنفعة، وللتأكد يمكن مراجعة بقايا العملات التي أنهكها الفعل الحوثي.

 

إكراه الرموز

 

لا يشبه إكراه الرموز على حمل دلالات لا تحملها عرفًا إلا إكراه الفتيات على البغاء.

 

يومالوعلاليمني

التعليقات 0:

تعليقك على المقال