حراك الاقيال من التنوير إلى التثوير
منتدى معد كرب القومي
موسى قاسم
على مدار السنوات الماضية، خاض الحراك القومي اليمني (أقيال) معركة الوعي والتنوير، التاريخي والسياسي وحتى الديني، منطلقاً في ذلك من إيمانه العميق بأن الثورة الجذرية لا يمكن أن تقوم إلا عن طريق تحرير العقل اليمني من التبعية والجهل والتجهيل، وترسيخ وعي الجماهير بكينونتها التاريخية والحضارية والسياسية، كون الجماهير الواعية هي الحامل الحقيقي للثورة والذائدة عن أهدافها وقيمها؛ وهي الأمينة على ديمومة اشتعال جذوتها.
التنوير بمفهومه العام هو فعل يبدد الظلام والعتمة، وفي سياقه المعرفي هو تغيير يطرأ على تفكير الإنسان فينقله من حالة الارتهان والاستلاب الفكري المقنن والموجّه إلى حالة التفكير الحر، المستند على إعمال العقل، وهذا الأمر أخذه الحراك القومي اليمني على عاتقه سيما وأن الأمة اليمنية عانت كثيراً من حالة الاستلاب العقلي التاريخي، وتحوَّل العقل اليمني عبر القرون إلى قالبٍ يتم حشو الأفكار الدخيلة عليه، بمختلف منابعها ومنابتها وتوجهاتها، الدينية والسياسية والتاريخية، فيغدو مقطوعاً عن ماضيه غير قادرٍ على تدبير حاضره أو استشراف مستقبله.
وإذا ما نظرنا إلى تاريخنا اليمني، القديم والمعاصر، سنجد أن الشعب اليمني من أكثر شعوب الدنيا ثوريّة ورفضاً للأعداء، لم يستكن يوماً لظالم أو عدو خارجي، إلا أن الكثير من تلك المعارك التحررية الوطنية واجهت انتكاسات متعددة.
والسبب في ذلك أن تثوير المجتمع لم يسبقه تنوير قومي يمني، يجعل الفرد اليمني يقاتل بعقيدة قومية يمنية لا تفريط في أهدافها ولا تراجع عن مبعثها الوطني. هذه العقيدة القومية ربما تكوّنت عند النُخب الوطنية الثائرة الأمر الذي جعلها تخوض معاركها ضد الأعداء، لكنها -أي النُخب- كانت منفصلة عن الجماهير العريضة من حيث درجة الوعي القومي.
على سبيل المثال، كان لسان اليمن القومي القيل حسن الهمداني ثائراً قومياً من أجل قضيته وكينونته القومية، وكان وعيه التاريخي والسياسي يفوق حكام عصره من أقيال اليمن، لكنه سُجِنَ من قِبَلهم إرضاءً للأعداء، بتهمٍ دينية أساسها استلاب العقل اليمني خدمة لأجندات خارجية. وبالمثل كان البطل القومي اليمني نشوان بن سعيد الحميري من أكثر ثوار اليمن وعياً وانتماءً قومياً، وخاض معاركه الفكرية ضد الغزو السلالي الهاشمي بجسارة كبيرة، إلا أن الوعي القومي المجتمعي كان غائباً ولم يكن سانداً له في معاركه، ولذا تعرّض للخيبات المجتمعية. فالمجتمع أسلم عقله للكهنوت السلالي وخرافاته وهو -أي الكهنوت- الذي عمل بخبث على إحداث قطيعة بين الإنسان اليمني وتاريخه الحضاري ما صيّره أداة لهدم كل فكرة وطنية تحررية يرفعها أقيال اليمن المتنورين.
هذا الأمر رافق كل الحركات الثورية القومية حتى تاريخنا المعاصر، فالحركة الوطنية اليمنية خلال القرن الماضي كانت حركة تنويرية في بداياتها، وكان يُطلق على روادها "المتنورين"، وإن كانت تلك الحركة قد أوجدت الأسس التنويرية للثورات، كسيرورة تاريخية تراكمية أدت إلى تفجير ثورة 26 سبتمبر كصيرورة نضالية، إلا أن الوعي القومي المجتمعي كان محدوداً جداً، بل إنه اقتصر على بعض النُخب اليمنية، ولم تكن الجماهير على درجة من الوعي يجعلها تلتّف حول هذا الحدث القومي العظيم في حياة الأمة اليمنية، والدليل على ذلك انزلاق الكثير من أبناء اليمن لقتال الثورة السبتمبرية وثوارها طيلة ثماني سنوات حتى العام 1970.
هذه الأخطاء والكبوات التاريخية أخذها الحراك القومي اليمني نصب عينيه، وأقصد هنا بالأخطاء الفجوة الشاسعة في الوعي القومي بين الطلائع القومية التحررية والجماهير اليمنية، فوجود هذه الفجوة هو تجزئة للمعركة الوطنية، الفكرية والعسكرية. ومن هنا كان التنوير المجتمعي هو الهدف الأول لاستعادة العقل اليمني، وتحريره من المشاريع الخارجية بمختلف توجهاتها وانتماءاتها، وعلى رأسها مشروع الكهنوت السلالي الهاشمي.
وباستعادة العقل اليمني تفكيراً وممارسةً، فإن هذا الحراك القومي سينتقل من التنوير إلى التثوير على أرض الواقع، وبيده كل الوسائل المناسبة، وفي مقدمتها انتشار الوعي القومي وتجذّره مجتمعياً، من أقاصي صعدة وحتى مُنتهى المهرة.
إن وعي الجماهير اليمنية بتاريخها وحضارتها وهويتها الأصلية، ومعرفتها بتاريخ عدوها التاريخي، هو المقدمة للثورة الجذرية، الثورة التي تقضى على الزوائد الدخيلة على الجسد اليمني، وتبتني اليمن الجمهوري الاتحادي على أسس ومبادئ الحراك القومي اليمني الثوري، الحراك الثوري الذي سيرتفع من أوساط الجماهير اليمنية المشبعة بالوعي القومي اليمني.
التعليقات 0:
تعليقك على المقال