تفاصيل المقال

المفاعل ‘‘المنوي’’.. الذي ابتلع اليمن!

المفاعل ‘‘المنوي’’.. الذي ابتلع اليمن!

محمد شداد

محمد شداد

 

تُعتبر التحديات المرتبطة بصناعة الأسلحة النووية ليست في تصنيعها فقط، بل تكمن الصعوبة الحقيقية في تخزينها بطريقة آمنة. هذا يتطلب بنية تحتية معقدة وتقنيات متطورة لضمان عدم تسرب الإشعاعات أو وقوع انفجارات عرضية، بالإضافة إلى الحفاظ على المواقع المخزنة بعيداً عن الأنظار وفي مناطق مقاومة للهجمات المعادية.

 

في اليمن، لدينا مفاعل "منوي" أثبت أنه يفوق في نتائجه تأثيرات الأسلحة النووية الحديثة. تاريخ السلاح النووي الحديث يعود إلى أواخر الحرب العالمية الثانية، حيث استخدمت القنابل النووية لأول مرة ضد اليابان عام 1945م، مدمرةً مدينتي ناجازاكي وهيروشيما، مسببةً أول كارثة نووية في تاريخ البشرية، راح ضحيتها حوالي 40 ألف شخص.

 

 

أما في شمال اليمن، فقد بدأ استخدام السلاح "المنوي" قبل ذلك بكثير، في العام 284هـ، واستمر يضرب اليمن بنيةً تحتيةً تاريخًا وإنسانًا مئات السنين وحتى الآن. كانت منطقة صعدة وجبالها، بتركيبتها الجغرافية والبشرية المعقدة، مثالية لحفظ ذاك السلاح باعتبارها وعاء التخصيب. الذي تم صناعته بواسطة المتورد يحيى بن قاسم الرسي، وأصبح خزان نووي "منوي" مثقوب يتسرب ويصدر إشعاعاته من حين لآخر، محدثًا حروبًا لا نهائية، تقتل عشرات الآلاف من اليمنيين في كل دورة وتعيدهم إلى المربع الأول.

 

" وأصبح ثقبًا أسودًا" يُشع يفتك بمخترعيه وبحراسه القبائل قبل غيرهم من الخصوم، تسبب بتدمير العقل والنشء وكل ما يمت إلى البنية التحتية والإنسانية بصلة. شكلت سوء الصناعة وخبث الصانع وحقد الحاملين من الزنابيل لهذا السلاح دمارًا شاملاً دون توقف.

 

وفي الوقت الذي يستهدف السلاح النووي الأجساد والبنى التحتية، كان ولا يزال السلاح "المنوي" يستهدف الأرواح والعقول، مشوهًا التاريخ مُدمرًا الحضارة، الحرث والنسل.

 

حرص صانعو السلاح على إبقاء حُرّاسه بعيدين عن قيمة الحياة العلمية والبشرية وعن مبادئ الدولة الحديثة، حتى أنهم لم يميزوا حربهم الحوثية الأخيرة بين مناطق اليمن المختلفة وحدود فلسطين. كان الجهل متفشيًا إلى درجة أن أحد الطلاب المبتعثين للدراسة في الصين لم يسمع بدولة إسرائيل أو وبالتراجيديا الفلسطينية.

 

ساهمت السلطات بعد الثورة في الحفاظ على مناطق معينة كمصانع حصرية للسلالة الحاكمة، بمساعدة عناصر مندسة في صفوف الجمهورية ومنظمات دولية وحكومية. تم الحفاظ على هذه الجغرافيا والبشر كمخازن للسلاح "المنوي"، واستمروا في الحروب ضد التمردات والثورات الوطنية التي تستهدف تدمير هذا السلاح.

 

عند كل ثورة أو حركة تمرد، يغرز السلاح "المنوي" خنجره المشع في رقاب الشعب اليمني، بدءًا من ثورة المقاطرة في العام 1922م حتى انقلاب الحوثي في العام 2014م، مرورًا بثورة 26 سبتمبر التي اعتقد الناس أنها ستنهي مشروع السلاح "المنوي". كان الأمل أن يتجاوز الناس مفهوم القبيلة والعشيرة والسلالة، وينتقلوا إلى مفهوم الدولة الجامعة التي تحمي حقوق جميع مواطنيها وتحقق العدالة الاجتماعية للجميع دون تمييز.

 

ولا يزال السلاح "المنوي" يشكل تهديداً مستمرًا للشعب اليمني طالما والحاضنة قابلة ومواطن التخصيب جاهزة، وحتى يتم التحرير تحتاج الثورة إلى جهود كبيرة للتحرير و لتصفية العقول وتعقيم الأبدان من تأثيراته السلبية وتفكيك السلاح الفتاك. إنَّ تجاوز الإرث المظلم يتطلب وعياً مجتمعيًا وتعاونًا وطنيًا حقيقيًا لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

التعليقات 0:

تعليقك على المقال