تفاصيل المقال

من يُقابِل الإمامة بالخلافة إنما يُقابِل موجود بمعدوم

من يُقابِل الإمامة بالخلافة إنما يُقابِل موجود بمعدوم

محمد العلائي

محمد العلائي

لا يتحدث عن الإمامة إلا ويقرن ذلك بالحديث عن الخلافة، وقد يفعل ذلك من خلال المقابلة بين "إسلام سياسي شيعي" وآخر "سُني"، إما عن جهل أو سوء نية.

 

هذا الصنف من الناس بودِّي لو أقول له: وفر حديثك عن الخلافة لأنه لا يوجد في اليمن -ماضياً وحاضراً- مُشكل أكبر وأوضح من الإمامة الزيدية، فهي أقدم إسلام سياسي.

 

فإن كانت "الخلافة" غاية ومطلب لجماعات "الإسلام السياسي السني"، فهي على كل حال غاية تقبع في الأذهان، خلافة بلا خليفة ولا كيان مادي واحد متصل جسماً أو نظاماً وقراراً، إنها حُلم بلا أفق زمني، أو فكرة براقة تُستعمل للتحفيز والاستقطاب الحزبي أكثر مما هي برنامج للتحقيق.

 

في حين أن المجتمعات السنّية -وهم عموم المسلمين- تتوزع سياسياً ضمن الأطر القانونية للدولة الوطنية كوحدات مستقلة ينتظم عليها بُنيان العالم المعاصر.

 

لكن إن كانت "الإمامة" غاية ومطلب لـ "الإسلام السياسي الشيعي"، بفرعيه الإثني عشري والزيدي، وهو أمر مؤكد ولا لبس فيه، فهذه الغاية اليوم مجسدة بالفعل إماماً وإمامة، نظرية وخطاب وتطبيق على مستوى المنطقة:

 

خامنئي هو الإمام تحت صفة نائب الإمام الغائب،

 

فهو إمام بالمعنى الديني المذهبي لأتباعه في إيران وخارجها،

 

وإيران كدولة هي الإمام بالمعنى السياسي على محورها الإقليمي -دول وجماعات- بما أن خامنئي قد لا يكون إماماً في الدين والمذهب بالنسبة لبعض العناصر والتشكيلات المختلفة مذهبياً والمنضوية سياسياً في محور إيران.

 

ومن ثمّ فالإمامة في جزء من اليمن حاضرة اليوم على وجهين:

 

⁃ وجه خارجي تجسده إمامة خامنئي (الولي الفقيه)، والذي من خلاله تؤمّ إيران ما يدور في فلكها من دول وجماعات،

 

⁃ ووجه داخلي تجسده إمامة الحوثيين الزيدية المرتبطين كما نعرف بعلاقة ولاء أو شراكة -لا فرق- مع الإمامة الشيعية الكبرى بوجهها الخارجي الإثني عشري الإيراني.

 

وهكذا، فأن من يُقابِل الإمامة بالخلافة -في اليمن بالذات- إنما يُقابِل موجود بمعدوم،

 

أو يقابل "حاضر" نعرفه من أثره وندركه عقلاً وحسّاً بـ"غائب" نسمع عنه من خبره في التاريخ!

 

وهناك صنف آخر لا يعلن عن موقفه من ظاهرة سياسية دينية معاشة كـ "الإمامة/ الولاية" إلا على نحو ضمني في إطار موقف نقدي هجومي من الدين نفسه، تحت مبرر أنه لولا الدين لما كانت إمامة.

 

وهذا إنما مثله كمثل ذلك الرجل الذي وجد صخرة كبيرة تسد الطريق على منحدر جبلي، وبدلاً من تجميع ما يمكن من الجهود لإزاحتها، إذا به يعلن أن الجبل هو السبب داعياً إلى اقتلاعه من جذوره دفعة واحدة فلولاه لما كانت الصخرة،

 

وبهذا يكون قد ربط مصير الصخرة بمصير الجبل، ما يعني تحصين الصخرة موضوعياً لزمن طويل جداً حتى يتمكن صاحبنا الهُمام من اقتلاع الجبل الضخم فيقتلعها معه،

 

وهو بطبيعة الحال لن يتمكن من ذلك على الاطلاق!

 

القول أنه لولا الجبل لما كانت الصخرة هو قول صحيح من الناحية السببية المنطقية، ومثله القول أنه لولا الأرض لما كان الجبل ولولا المجرة لما كانت الأرض.. إلخ!

 

لكن ما قيمة الصواب المنطقي النظري حين نكون بصدد مشكلة عملية تقتضي التعامل المباشر مع صخرة تسد الطريق هنا والآن!

التعليقات 0:

تعليقك على المقال