عروش اليمن في سويسرا
عبد الله محسن
كانت الأبواب مقفلة. لم تعد وزارة الثقافة تتجاوب مع أي بلاغ عن أي مزاد تباع فيها آثارنا، الأمر ذاته ينطبق على الكثير من سفاراتنا في الخارج. وبلغ الأمر إلى عجز الحكومة عن استقبال الآثار المقدمة لها من المتبرعين الأجانب وورثتهم، بسبب عدم قدرتها على تمويل النقل والتأمين. أصبح وضع الآثار مأساوي وقاتم لدرجة أن إحدى سفاراتنا المتعاونة وقفت عاجزة عن توفير نسخة مترجمة لقانون الآثار وتعديلاته بشكل رسمي من وزارة الشئون القانونية، تلبية لطلب جهة حكومية أجنبية في البلد المضيف.
وسط كل هذا، كان هناك ملفان مهمان في الاتحاد السويسري وإسرائيل، ملف العروش الأثرية في الأولى ومزاد آثار من مقتنيات شلومو موساييف في الثانية، كنت قد نشرت عنهما، ولقيا تجاوباً واهتماماً من سعادة السفير الدكتور محمد جميح مندوب اليمن الدائم لدى اليونسكو، الذي تواصل مشكوراً معي للاستفسار عن التفاصيل، وبدأنا بالتنسيق معاً لتحقيق اختراق في هذين الملفين المهمين.
عروش اليمن في سويسرا
في أكتوبر 2021 نشرت عن عروش اليمن المهربة من الجوف وذكرت أن أحد النافذين قام بتهريبها في العام 2010م إلى سويسرا بتواطؤ من بعض الشخصيات الحكومية آنذاك خصوصاً وأن وزن كل عرش طن وارتفاعه 1.24 متراً، وعرضه 63 سم، وعمقه نصف متر، الأمر الذي يصعب إخفاؤه. وفي ديسمبر 2023م تلقيت اتصالاً من صديق يقدم خدمات بحثية بشكل رسمي لجهات شرطية وقضائية مختصة بجرائم الآثار في أوروبا، أبلغني مشكوراً بمصادرة القضاء السويسري (جنيف) للعرشين الأثريين الذين نشرت عنهما، وأنَّ التحقيقات مستمرة في مكتب المدعي العام، والعرشان من مقتنيات هشام وعلي أبو طعام المالكين لشركة فينيكس للفن القديم الشهيرة والتي تلاحقها الاتهامات بالاتجار بالآثار العراقية والمصرية وغيرها.
تواصل سفير اليمن لدى اليونسكو مع السيدة كريستا بيكات مديرة هيئة الثقافة والطوارئ في مركز التراث العالمي التابع لليونسكو، لمخاطبة الجهات السويسرية المختصة للنظر في أفضل السبل للحفاظ على هذه الآثار اليمنية القيمة في الوقت الحاضر لحين دراسة إمكانية إعادتها إلى اليمن. وجاء رد رئيسة الخدمة المتخصصة لنقل الممتلكات الثقافية في سويسرا ليؤكد على أن "الإجراءات مع المدعي العام في كانتون جنيف مفتوحة، والقضية الآن في أيدي العدالة. وفي نهاية الإجراء، سيتم مصادرة الممتلكات وإسنادها إلى الإدارة المتخصصة للنقل الدولي للممتلكات الثقافية داخل المكتب الفيدرالي للثقافة من أجل إعادتها إلى بلدها الأصلي، وستقوم الخدمة المتخصصة بالاتصال بالممثلية الدبلوماسية لليمن في سويسرا من أجل الاتفاق على الوقت المناسب لهذا النقل".
ومن خلال التتبع المستمر، وجدت أن غالبية آثار اليمن المعروضة في مزادات أوروبا تكون فرنسا هي نقطة التجميع لها قبل توزيعها، وفي السنوات الماضية اكتشف المكتب المركزي لمكافحة الإتجار بالآثار في وزارة الداخلية الفرنسية خمسة عشر قطعة أثرية يمنية أثناء البحث في مستودع في منطقة باريس، وبدأ تحقيقاً أمنياً حولها واستعان بعدد من الخبراء الذين أفادوا أنها من اليمن، وقدمت حينها بطلب من وزارة الثقافة ومندوبية اليمن في اليونيسكو، ملفاً فنياً وملحقاً قانونياً حولها، وما تزال القضية ضمن اختصاص الشرطة الفرنسية.
مزادات إسرائيل
منذ سنوات طوال دون توقف، ومزاد المركز الأثري الذي ينظمه عالم الآثار الإسرائيلي الشهير والمثير للجدل الدكتور روبرت دويتش، على منصة المزادات العالمية بيدسبريت، يعرض العديد من آثار اليمن، تكاد تكون كلها من مجموعة شلومو موساييف.
وقد بعث السفير د.محمد جميح خطاباً إلى أمانة اتفاقية 1970 في اليونيسكو بشأن مزاد يوم 25 أبريل 2024م، ودعت اليونسكو في 11 أبريل 2024م روبرت دويتش لتزويد السلطات اليمنية بأي وثائق داعمة فيما يتعلق بالبيع والتوصية بتعليقها المؤقت في انتظار هذه الوثائق، وتلقت رداً غريبا للغاية مكون من ثلاث نقاط، الأولى تتعلق بقانونية جمع القطع الأثرية تحت إشراف سلطة الآثار الإسرائيلية والأخرى عن اكتشاف العديد من الآثار اليمنية في عملية تنقيب خارج اليمن والثالثة تطالب اليمن بأدلة ووثائق داعمة لإثبات أن هذه العناصر قد تم إزالتها بشكل غير قانوني من اليمن في السنوات الأخيرة.
لقد تم الرد بشكل قانوني على ادعاءات دويتش، إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى تفعيل دور قطاع قضايا الدولة في وزارة الشؤون القانونية وإلى تحرك حكومي فاعل.
التعليقات 0:
تعليقك على المقال