المراكز الصيفية.. جريمة تفخيخ المستقبل
علي الفقيه
دلف صديقي القاطن صنعاء منزله فوجد طفله محتشداً يطالب بالسماح له بحضور المراكز الصيفية التي بلغه أنها ستمنح جوائز عبارة عن ألواح ذكية "آيباد" للعشرة الأوائل في المركز الصيفي المزمع إقامته في المدرسة القريبة.
ذات الطفل كان وحتى نهاية العام الدراسي يعتمد على والده في توفير الكتب الدراسية، من السوق السوداء، بعد أن امتنعت الجهات المعنية عن تقديمها توفره، بحجة انعدام الإمكانات، وهو ذاته الذي يلاحق أباه لدفع ما يعرف بـ"المساهمة المجتمعية" للمدرسة الحكومية لتغطية حوافز تصرف كفتات للمعلمين الذين يعملون بدون رواتب منذ سنوات تحت مبرر أن ما كانوا يسمونه سابقاً "العدوان" تسبب في قطع المرتبات.
المليارات التي تخصص للمراكز الصيفية تنعدم كلياً عند الحديث عن توفير متطلبات التعليم النظامي الذي اختطفت وصودرت مؤسساته هو الآخر للتعبئة الطائفية من خلال المحاضرات اليومية وفعاليات الأنشطة المدرسية وإحياء المناسبات الطائفية التي لا تنتهي، والتي لم يكن يسمع بها اليمنيون قبل حلول الجائحة الحوثية بوجهها الطائفي وأفكارها المدمرة.
حسب تصريحات مسؤولين حوثيين فإن المراكز الصيفية التابعة للجماعة استهدفت العام الماضي مليون وخمسمئة ألف طفل يمني ولك أن تتخيل أن يتعرض هذا العدد لعمليات غسيل دماغ مركزة على مدار شهرين، وقد وجد الحوثيون هذا العام يافطة إضافية وهي "نصرة غزة ومواجهة إسرائيل" بعد أن انكشفت كذبتها الأولى في مواجهة العدوان "السعو صهيو أمريكي" وهي اليافطة التي رفعوها حتى تهتكت وصارت مدعاة للضحك والسخرية بعد أن ظهروا يتبادلون الأحضان والعناق مع المسؤولين السعوديين في الرياض وفي صنعاء.
يدرك الجميع أن مليشيا الحوثي دمرت الحاضر وبعثت أسوأ ما في الماضي من صراعات وأوهام وخرافات وألقت بها في وجه المستقبل لتحيله سواداً، لكن ما تفعله اليوم هو تفخيخ للمستقبل من خلال تعبئة آلاف الطلبة بالأفكار الطائفية القاتلة وتحويلهم إلى قنابل موقوتة جاهزة للإنفجار في أي لحظة وبهذا يمكن القول إنها تدمر المستقبل حرفياً، ومالم يتدارك العقلاء داخل المجتمع الوضع ويعملون على توعية الناس في مناطق سيطرة الحوثيين بالحفاظ على أولادهم وحمايتهم من هذا السرطان الخطير فإن الكارثة فادحة.
حديثنا هنا لا يعني أن كل من يستهدفهم الحوثيون ببرامجه وأنشطته سيتقبلون تلك الأفكار الخطرة، لكن بالتأكيد أن جزءً منهم هم ضحايا فعليين، وكما رأينا في السابق أقرانهم وقد صاروا مجرد صور معلقة على الجدران ومنحوا لقب "الشهيد" قبل أن يبلغوا سن التكليف، فإن آخرين سيسوقهم إلى ذات المصير.
المراكز الصيفية، التي تنظمها جماعة ترفع شعار الموت وتمتهن صناعته منذ لحظة ولادتها، ليست أكثر من يافطة لمعسكرات تعبئة وتحشيد لمقاتلين محتملين في المستقبل، وبالتالي يصنف وفق القانون الدولي وكل التشريعات الإنسانية ضمن جريمة "تجنيد الأطفال" إذ أن التعبئة الأيديولوجية، والتي تسمى الإعداد العقائدي، هي مرحلة تسبق التدريب القتالي. بل إن المراكز الصيفية تشمل في بعض المناطق وخصوصاً الأرياف تدريب الأطفال على حمل واستخدام الأسلحة وذلك ما لا تخفيه الجماعة، بل وتتفاخر بنشر صور لأطفال يحملون السلاح ويتدربون على استخدامه.
نحن هنا لا نحمل المجتمع وحده المسؤولية، لكن مع حالة فشل النخبة والحكومة الشرعية في استنقاذ المجتمع من قبضة مليشيا الحوثي، ومع تواطؤ المجتمع الدولي مع مشاريع جماعات الموت في المنطقة، فإننا في هذه الحالة نعود لحاجز الصد الأخير وهو المجتمع المحلي ونستنهض ما لديه من الوعي والنباهة لتحصين الأطفال وحمايتهم من خلال الحيلولة دون الدفع بهم نحو "معسكرات التفخيخ" ومن خلال دروس منزلية، وبرامج وفعاليات موازية لتنشئة الأطفال على أفكار الوسطية والاعتدال ومفاهيم الحرية والعدالة والمساواة، وتأهيلهم بمهارات تهيئهم لاقتحام المستقبل وتجعلهم أهلاً لصناعة الحياة وبنائها لا آلة للفناء والدمار.
التعليقات 0:
تعليقك على المقال