تفاصيل المقال

أقلام في مسيرة النضال 19     العميد محمد الكميم.. البندقية والقلم

أقلام في مسيرة النضال 19 العميد محمد الكميم.. البندقية والقلم

ثابت الأحمدي

ثابت الأحمدي

من الحقائقِ المعروفةِ تاريخيًا أنّ سوقَ الكلمة لا يزدهر إلا أثناء فترات السِّلم والاستقرار والهدوء، في الوقت الذي تتراجعُ فاعليتُها أثناء الحروب؛ لأنّ أصواتَ المدافع إذا تفجرت، ولعلعاتِ الرصاص إذا نطقت غطى ضجيجُها على كل صوت. الكلمة بطبيعتها هادئة، هامسة، ولثباتها في وجدان المتلقي لا بدّ لها من لحظاتٍ مناسبةٍ، بعيدة عن دخان الحرب ولون الدم؛ أما في الحروب فمن يسمع من؟!

في السّلم لا يكونُ الحديثُ إلا عن الأديبِ فلان أو المفكر علان؛ أما في الحروبِ فينصرف حديث الخاصة والعامة إلى القائد العسكري فلان، والمحارب فلان. وهذا أمرٌ طبيعي، لأن لكل زمان دولة ورجال، كما يُقال. وفي الواقع لا يحسم مشهد الحرب إلا البندقية، ولا يقطع شر أي عصابة إلا القوة القاهرة.

بين يدينا اليوم رجل بندقية وقلم في آنٍ واحدٍ معا. جمع بينهما على نحوٍ نادر، رجل من أندر وأصدق الرجال المناضلين في مواجهته لعصابة الكهنوت الحوثية الإمامية، العميد الركن محمد الكميم.

محمد عبدالله محمد مرشد الكميم، من مواليد 1976م، في الحدا، محافظة ذمار. متزوج وأبٌ لتسعة أبناء.

درسَ الابتدائيّة والإعداديّة والثانويّة في صنعاء، وخلال هذه المرحلة تفتقت موهبته في بواكيرها الأولى، خاصة وقد تنشأ منذ صغره على مفاهيم الوطن والوطنية والثورة والجمهورية التي تشربها من والده المناضل الشيخ مرشد الكميم، أحد المقاتلين الأبطال في ثورة السادسِ والعشرين من سبتمبر الذين قاتلوا جنبًا إلى جنبٍ مع الجمهورية، ودافعوا عنها في كل من صعدة وحجة وخولان وسنحان وآنس. احتفظت ذاكرته بكثير من القصص التي حكاها لرفاقه وأبنائه لاحقا؛ لكنها لم تُدوّن للأسف، وكان حقها التدوين. ولأبناء الكميم بطولات وطنية مشهودة، التاجر الشيخ ناصر أحمد الكميم أنموذجا. ناصر الكميم أحد تجار صنعاء القديمة الأبطال الذين خلدهم التاريخ، وشهدت بأدواره مذكرات المناضلين، ومن يرجع إلى مذكرات المناضل عبدالغني مطهر سيعرف من هو التاجر الكميم.

وعودة إلى والده، فقد كان مرجعيّة قبليّة، وشخصية بارزة في قريته، وفي أمانة العاصمة، خذله زمن الإمامة التي لحق فصولها الأخيرة، ولم ينل حقه من التعليم، أو أي حق من الحقوق الطبيعية كعادة أي يمني آنذاك؛ لذلك كان يرى في كل لمسةِ إنجازٍ من إنجازاتِ العهدِ الجمهوري معجزة لم تكن تخطر بباله، وربما ذرفت عيناه بالدمع وهو يقارنُ بين آلام الإمامة وإنجازات الجمهورية، من المدارس والجامعات ومختلف أشكال البنى التحتيّة التي كانت بالنسبة لهم حلما بعيد المنال، ولطالما كان يتعشق العروض العسكرية التي يشاهدها في التلفاز حد الثمالة، وربما كان مشهد العرض العسكري في الطابور الذي قاده نجله الشاب محمد الذي تخرج من الكلية الحربية في العام 98م هو سيد هذه المشاهد كلها، خاصة وقد حصل على الترتيب الأول على زملائه. كان ذلك اليوم بالنسبة له يومًا تاريخيا مشهودًا، أحسّ بأنه امتلك الأرضَ والسّماء، وحُقّ له ذلك. لقد عوض هذا الأب حرمانه في نجله الذي أصبح اليوم رمزًا نضاليا يمانيا أصيلا، يُشار له بالبنان.

ونتيجة لشخصيته الكاريزمية، وتميزه الملحوظ، فقد عمل الشاب الضابط المتخرج للتو في القيادة والسيطرة بوزارة الدفاع عقب تخرجه من الكلية مباشرة، كما عمل أيضا مدير إدارة التحليل ونظم المعلومات داخل القيادة والسيطرة بوزارة الدفاع، وكانت له مشاركاتٌ عسكرية في غرف العمليات أثناء الحروبِ الست مع الحوثيين، ويحتفظ بسجل معلوماتي كبير عن كثير من المعارك التي دارت خلال تلك الحروب.

العميد محمد الكميم إلى جانب كونه شخصية عسكرية، ورجل دولة من طرازٍ نادر منذ نعومة أظفاره، فهو كذلك ذو حضورٍ شعبي كاسح في أوساط العامة؛ لهذا فاز في الانتخابات المحلية في العام 2001م، عن مركزه الانتخابي "هـ" في الدائرة السادسة بأمانة العاصمة، وتم انتخابه أمينا عاما للمجلس المحلي بمديرية الصافية عن الدائرتين: السادسة والسابعة، فمديرا للمديرية، بموجب قرار وزير الإدارة المحلية آنذاك، مساهمًا في إرساء مداميك التنمية المحلية، مع رفاقه فيما بعد العام 2001م، وهي الفترةُ التي شهدت تطورًا كبيرًا في الخدمات والمشاريع. وطبعًا فقد كان أصغر مدير عام مديرية على مستوى الجمهورية اليمنية. إنه التميز، والتميز المبكر لا أكثر. وهذه طبيعة القائد الذي يُخلق قبل أن يُصنع، إذ القيادة موهبة قبل أن تكونَ صناعة.

لقد نشاط ذلك الشاب على أكثر من صعيد، تنمويًا، باعتباره قياديا في المجلس المحلي بأمانة العاصمة. وعسكريًا، باعتباره ضابطا مرموقا، مثقفا، ذا كاريزما ملفتة. واجتماعيًا، باعتباره نجل الشيخ المناضل عبدالله الكميم الذي حلّ محله "عاقلا" بترشيح الناس له، وقد رافقه منذ الصّغر، مشاركا إياه أعماله الكبيرة، ومتحملا جزءًا من مشاغلها. لقد كان في مراحل عمره الأولى "رجلا صغيرا"، لا طفلا، لم يعرف شيئًا عن مُتعةِ الطفولة وراحتها كأقرانه. من ضمن أنشطته التي نشط فيها تأسيسه مع آخرين من رفاقه تأسيسه صناديق تكافلية في حارته وأيضا لمنطقته، وأنشطة إنسانية أخرى، بعيدة عن سياسة الحوثيين أو توجيهاتهم.

درسَ الشاب محمد الكميم القيادة والأركان، وتخرج منها في العام 2013م، في مرحلة حرجة جدا من مراحل التحولات السياسية، وكانت له مواقف وطنية مشهودة ضد عصابة الحوثي الكهنوتية، فلم يمالئهم، أو يجاريهم يومًا ما، وكيف يجاريهم وهو الذي شبّ منذ طفولته على ثقافة الجمهورية والوطن والوطنية، وعززتها مناهج التعليم العام والكلية الحربية. ومع تفرد هذه العصابة بالمشهد كاملا لم يستطع البقاء أو التعايش معها، فغادر صنعاء بعد مقتل الزعيم صالح، وقد كان ينتظر قبل ذلك ساعات الحسم التي ستعيد الحوثي إلى جحوره في مران.

أنجزَ العميد الركن محمد الكميم أدورًا بطولية ضد هذه الجماعة بعد إسقاطهم للدولة وسيطرتهم على العاصمة، لم يتحدث عنها بعد، ولطالما أثر على زملائه عقال حارات صنعاء في التحريض على هذه الجماعة، في عدم تنفيذ أجنداتها ومشاريعها التي أتت بها بعد إسقاط الدولة، كان حاميا لحارته ومديريته، محافظا على الشباب من التغريرِ بهم والزج بهم في أتون جبهات القتال، في الوقت الذي كان بعضُ عقال الحارات يعمل على تحشيد الشباب البريء، رغبة أو رهبة من عصابة الحوثي. كان يرفض الصرخة الحوثية، ويعارضها من أول يوم، غير مستسيغ تلك الهرطقات الزائفة. وثمة أدوار مهمة لعبها المذكور خلال فترة ما بعد 2014م وحتى ما بعد مقتل الزعيم صالح سيميط اللثام عن تفاصيلها لاحقا.

غادر صنعاء مع رفاقه وزملائه نحو مارب فحضرموت فالمهرة مع أبنائه وزوجتيه، وعاش ظروفا حرجة بعد ذلك، حتى تجاوزها، ومع ذلك فقد ظل على مبدئه الوطني الحر، لم يهادن الحوثيين أو يسكت عنهم في شيء، صفحتاه على "فيس بوك" و "إكس" من أنشط الصفحات الإعلامية التي تلعب دورًا مهما بصورة يومية، مركزًا على نقطتين مهمتين: استعادة الدولة وتوحيد الصف الجمهوري. وفعلا فالعميد الركن محمد الكميم من الأصوات الوازنة والعاقلة والتي تحظى باحترام الجميع، المحور همُّه واهتمامه الوطن أولا وأخيرا، وطنه كل اليمن، كل اليمن، لا فرق عنده بين حضرموت أو عدن أو مارب أو صنعاء أو تعز.

يشغل العميد الركن محمد الكميم منصب مستشار وزير الدفاع، بقرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد محمد العليمي، وله زيارات ميدانية مع بعض القيادات العسكرية إلى مختلف جبهات القتال، غير مراهنٍ على أيّ حوارٍ مع هذه الجماعة التي لا تعرف السلام ولا الحوار، مؤكدًا بأن الحسم العسكري هو سيد الموقف، ولا شيء غيره. وهو ذات الرهان التي تراه النخبة الفكرية والثقافية المستنيرة على امتداد ربوع اليمن.

حقا.. العميد الركن محمد الكميم.. ربان البندقية والقلم معا.

التعليقات 0:

تعليقك على المقال