تفاصيل المقال

‏أقلام في مسيرة النضال 11 .. فهد الشرفي.. شرف الموقف

‏أقلام في مسيرة النضال 11 .. فهد الشرفي.. شرف الموقف

ثابت الأحمدي

ثابت الأحمدي

يتمسك النبلاءُ بجذورِ الأرض التي سقتهم من نَميرِ مائها، وأشبعتهم من لذيذ أعذاقها وغذتهم من طِيب هوائها، فيبنون آطامها إذا حلُّوا، ويحملون همومها إذا رحلوا، كجزءٍ من الذات وطرف من الروح، وقديمًا قيل لأعرابي: أتشتاقُ إلى وطنك؟ فقال: كيف لا أشتاقُ إلى رملةٍ كنتُ جنينَ ركامها ورضيعَ غمامها؟! ومما يُروى عن الأوطان أيضا: الإبلُ تحنُّ إلى معاطنها وإن كان عهدُها بعيدا، والطيرُ إلى وُكره وإن كان موضعُه مجدبا، والإنسانُ إلى وطنه وإن كان غيره أكثر نفعا له. إنها سِمة العربي الأصيل الذي كان وفيا لمكانه الأول، وفي شعر المعلقات ملمحٌ أصيلٌ من ملمح الارتباط الروحي بالمكان الأول، يتجلى في المقدمات الطلليّة التي كان يفتتح بها شعراءُ المعلقات قصائدهم، بل وغير شعراء المعلقات، حنين يفيضُ بالبكاء، أو بكاء يفيضُ بالحنين. لقد كانت خولان عامر بصعدة أولَ بلدةٍ يمانيةٍ تشرع سيفَ الدفاع عن يمنِها العظيم في وجه الغُزاة السُّلاليين مطلع القرن الثالث الهجري، ضد إبراهيم بن موسى العلوي، الملقب بالجزار، داعية ابن طباطبا، الخارج عن دولة الخلافة العباسية القائمة آنذاك، يقود القوم القيل اليماني، الشاعر والفارس أحمد بن يزيد القشيبي الذي طرد الجزار من أرض اليمن، بعد معركةٍ حاسمة، انسكبت لها دماءٌ، وطاحت فيها جماجم؛ لكنها كسبت جولة النصر حينها. وفيهم قال القشيبي: مصابيح أرضٍ أُطفئوا ثم غُيّبُوا سلالة أقوالٍ مغاوير في الردع بقية ميمون بن حجر بن زرعة فيا نبعة خضراء سامقة الفرع بهم كان يُستسقى الغمام وتُتقى بهم عثرات الدهر في السهل والتلع ومن ذات المكان، وبعد فارقٍ زمنيٍ طويل تتواصلُ أيضا مسيرة النضال برجالاتٍ يحملون ذات القضية بذات الشعور. أبو كهلان، فهد طالب جبران الشرفي، من أبناء مديرية ساقين، محافظة صعدة، وكهلان، ليس مجرد اسم فقط، بل استدعاء للهُويّة، واستنطاقٌ للتاريخ، واستتباعٌ للذات. وكهلان بن سبأ "صاحب الشّمال"، أخو حمير بن سبأ "صاحب اليمين". والشمال واليمين هنا إشارة إلى وصيةِ الأب سبأ لابنَيه؛ حيث أوصى لابنه حمير ما يؤخذ باليمين، وهو السيف والقلم والسوط، وأوصى لكهلان ما يُؤخذ بالشَّمال، وهو العنان والترس والقوس. والأولى هي أدوات الهجوم، فيما الثانية أدوات الدفاع، وهي القوةُ التي تقوم عليها الدولة، وكلاهما يكمّلان بعضهما. وعودة إلى حمل هموم الوطن والتغني بأمجاده، فقد رحل عن اليمنِ قديمًا ثلاثة شعراء من فطاحلة شعراء اليمن، ومعهم حملوا همومها وتاريخها وأمجادها، فتغنوا بها أينما رحلوا، وهم يزيد بن المفرغ الحميري، في البصرة، وأعشى همدان في الكوفة، ووضاح اليمن في دمشق، وغيرهم الكثير، ومن يتأمل في ديوان حسان بن ثابت الأنصاري يجد أنّ ما يزيد عن نصفه يفيضُ "يمنًا ويمنيّة". وإلى هؤلاء نستطيع إضافة آخرين معاصرين، من بينهم أبو كهلان، المقيم في "نجد"، العروبة والشهامة. سرينا مع الركبان واحنا هل المسرى مع كمن احمر عين تفخر تسايرها نعانق شوامخها المنيفات والسمراء على ظهر موتر ما تبنشر توايرها عشقنا جبال العز والسهل والصحراء نخاوي الرجال الصّادقة في ضمايرها ونصدع بموقفنا على الناس بالجهراء وما نقبل الباطل من أكــــبر كبايرها هكذا يعبر أبو كهلان فهد الشرفي عن موقفه. ولمن لم يعرف فالأخ فهد الشرفي شاعر مطبوعٌ ومُجيدٌ، وله "نبطيّات" من دُرر القول، منشورة على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن لا يلملمُ شتاتها ديوانٌ منشور. وقد لحّنَ وغنى بعضًا منها على قناة سهيل الفنان الكبير محمد الأضرعي، وعلى غير قناة سهيل أيضا. ونلاحظ هنا في هذه القصيدة حشود الشّخصيّات الوطنية النضالية من مختلف التوجهات والتيارات التي ذكرها في قصيدته هذه التي تشي إلى منزع نفسي عميق، يجسد لديه عظمة الذات السبتمبرية. رايت خالد في السواحل يوم كبر رايت أنا الفاروق عمر رايت أنا جيش النبي كم من غضنفر داس كسرى وانتصر وسط كيلو ستعشر رايت القيامة رايت انا الحو. ثي دهف كمن مغرر يخدم الاثني عشر تشتوي وتذوب واشلاؤهم تتبعثر في الهواء مثل المطر حي جند الله ذي داسوا الإمامة رايت أنا السلال ومجاهد والاحمر رايت سبتمبر حضر رايت عبدالله جزيلان حين زمجر رايت أنا المُغْني الأبر يجمع الأحرار في ساحل تهامة رايت أنا الكهنوت مشروعه تقهقر والإمامة في سقر رايت أنا أبطال الجنوب الله أكبر رايت هيثم حين كر رايت طارق راسه باعلم تمشقر والوطن والمؤتمر وريت كمن فوج من أبناء تهامة رايت عفاش الذي أوصى وجمهر يوم أعلن للبشر رايت أنا الزوكا الوفي بالقوم يفخر والوصيات العشر والشهادة شلها بعد الزعامة رايت في الضالع ومارب جيش شمر رايت في الجوف العبر إنه امتدادٌ شاعريٌ، بذات الروح، ولنفس القضية، وفي ذات الاتجاه. هذا عن جبهةِ الشعر "الشرفية"، فماذا عن بقية الجبهات؟ يكتب أبو كهلان فهد الشرفي العمود السياسي في أكثر من صحيفة وموقع، وله مقالاتٌ منشورة في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية وغيرها من الصحف؛ أمّا جبهته الأبرز فلعلها في الأحاديث والتصريحات على القنوات الفضائيّة، ولتصريحاته وقعها الخاص ورنينها المتميز؛ لأكثر من سبب، من ذلك أنه ابن صعدة الذي خبر الجماعة عن قرب تماما، و "ما راءٍ كمن سمعا"، وهو صاحب المشوار الطويل في المقارعة والنزال، من لجان الوساطة في الحروب الست، إلى المواجهة الميدانية، وقبضه ذات مرة مع أحد إخوانه على قيادةٍ حوثيّةٍ كبيرة، إلى الموقف السياسي، إلى التصريحات الإعلامية، إلى معرفته الدقيقة بالتفاصيل الخاصة عن الشّخصيات القيادية للجماعة. يتحدثُ فهد الشرفي الساعة والساعتين بلا تأتأةٍ، أو توقف، بأفكارٍ مرتبةٍ ومنطقٍ متسلسلٍ ولسانٍ فصيح، وهو انعكاسٌ لثراءٍ في المعلومة واعتداد بالذات أيضا. حديثه الصحفي في التأثيرِ كقلم سام الغباري، كفنّ محمد الأضرعي، كشعر عادل الأحمدي، كلَفتاتِ رفيقه غائب حواس، في عملية تكامل منظومي أقيالي بين رفاقِ القضية الواحدة. هل لهذه الموهبة علاقة بطبيعةِ التنشئة الأولى في مديرية "ساقين"، قريبا من مركز المديرية نفسه؟ ربما، فلأبناء المراكز الريفيّة الصّغيرة ذكاءٌ لماحٌ واستثنائي، ممزوج بفصاحة ومنطق حاد، توارثوه من مئات السنين، كون هذه المراكز ملتقى رجالاتِ القضاء والمحاماة والمشايخ والجُند، وملتقى الخصوم والأصدقاء، والأنداد والأضداد، والظالمين والمظلومين معا، وكون أبرز شخصيّات هذه المراكز هي مرجعية المناطق من حولها في فضّ الخصومات وإبرام الأحكام، بما تمتلكه من كاريزما ملحوظة، ومن هذه الخليط كله تتشكلُ الطباع وتمتزج الثقافات. من موقعه الحزبي كقيادي في المؤتمر الشعبي، ومن موقعه الرسمي كمستشارٍ لوزير الإعلام والثقافة والسياحة، وقبل هذا وذاك من قناعاته الشخصيّة يتأتى موقفه الأخلاقي والوطني الصّارم ضد جماعة البغي الحو. ثية بحديّةٍ لا تقبلُ أنصاف الحلول، كأي سياسي مستنير أو مثقف نابه، يعي خطورة هذه الجماعة عن قرب. والواقعُ أن هذه الجماعة نفسها هي التي جعلت الناس يحددون موقفهم منها، فهي بطبيعتها كتلة مصمتة لا تقبل التعايش مع أحد. وعلى ذكر المؤتمر الشعبي العام فهو يذكرُ في حديث سابق له أنه الحزب الأقرب إلى طبيعة تفكير وعفوية الإنسان اليمني، ويحتاج اليوم إلى وقفة الإخوة والأشقاء معه حتى يتمكنَ من القيام بدوره الوطني في هذه المرحلة. إنّ موقفه من الحو. ثي مبكرٌ من اللحظات الأولى لإعلان التمرد، تشهد بهذا شاشاتُ القنواتِ الفضائيّة، وعناوينُ الصحف والمواقع، ناهيك عن صفحتيه الشخصية، فيس بوك وتويتر، ولا يزال على ذاتِ المنوالِ حتى اللحظة، ولسان حاله، كما يقول الشاعر النبيل، ابن صعدة علي أحمد قلي: على مبدأ الأحرارِ، ما خُنتُ موقعي ولا حادَ عن دكّ الضلالاتِ مدفعي شموخٌ أنا رغم المُلماتِ "تُبّعٌ" وحولي من "الأقيال" مليون تُبّعِ أنا بأسُ "قحطانٍ" وغضبةُ "يَعرُبٍ" سيوفُ "أبي كربٍ"، رصاصاتُ "قردعي" فهد الشرفي قيمة نوعيّة مضافة، وسهم صقيل في كنانة الجبهة الثقافيّة والإعلاميّة ضد الكيان الإمامي البغيض، ودوره مشهود من اللحظاتِ الأولى وحتى اليوم.

التعليقات 0:

تعليقك على المقال