أقلام في مسيرة النضال 12. أحمد البتيت.. شيخ الأقيال
ثابت الأحمدي
حتى وقتٍ قريبٍ كان حديثُ رجال الدين عن الوطن والوطنية في عدادِ المعدوم، وإلى قبل عشر سنوات تقريبا لم نسمع من فقيه أو محدث كلاما له علاقه بهاتين المفردتين، ناهيك عن مفردات أخرى تتعلق بها من قبيل النضال والحركة الوطنية والأحرار، لقد كان الحديث عند بعضهم عن الوطنية والوطن عكسيا، سلبيا، لانطلاق كثير منهم من تنظيرات مثالية كبرى باتجاه الأمة والعالم والناس كلهم إلى آخر هذه المصطلحات، ناسين أو متناسين أنه قبل أن تكون نموذجا أمميا أو عالميا يجب عليك أن تكون نموذجا وطنيا؛ أما لو تحدثنا عن علاقتهم بمنظومة الفنون فالأمرُ مختلف جدا، فنظرتهم إليها أكثر من قاصرة، وربما لا يزال الكثير منهم على ذات النظرة إلى اليوم.
وعودة إلى الوطن والوطنية فقد صار لدينا اليوم مشائخُ دين، بل ومشائخ سلفيين أنموذجا متفردًا في هذا الجانب، على الصعيدين النظري والعملي معا، وبشكل عام نستطيع القول أن السلفيين في اليمن قد أثبتوا مواقف بطولية لم تكن تخطر على بال الكثير. هذه شهادة للتاريخ، مع استثناء قلة قليلة منهم لا تزال على منظورها الكلاسيكي القديم، لكنها الأقل، وقد تستجد لها مواقف مع قادم الأيام.
قديما قيل: "كلام الملوك ملوك الكلام"، وكلام مشائخ الدين عن الوطن والوطنية والنضال والمقاومة والحرية والأحرار يكتسب قيمته من قيمة هؤلاء الشيوخ أنفسهم، ومكانتهم الاجتماعية لدى أتباعهم، ولن نكون مبالغين إذا قلنا من القيمة الدينية نفسها، باعتبار حب الوطن من الإيمان، والشواهد القرآنية والنبوية تؤكد ذلك.
في الحقيقة الأحداث الأخيرة علمت الناس جميعا ــ بلا استثناء ــ معنى الوطن والوطنية، كما علمتهم قيمة الدولة، إلى حد أننا تفاجأنا بفقهاء ومحدثين يكتبون ويؤلفون؛ بل ويخطبون ويحاضرون في تاريخ النضال وفي الكتابة عن الثورات وعن أعلام اليمن من الأحرار والمناضلين، وأكثر من ذلك تفاجأنا بمشائخ ورجال دين يتقدمون الصفوف في المعارك العسكرية، ويقدمون رؤوسهم ودماءهم فداءً لتربة أوطانهم، تأتي هذه المشاهد في الوقت الذي ارتكست فيه أقلام من بعض التيارات التي طالما ادعت الوطنية، وحين أتت ساعة الجد، رأيناهم منضوين تحت إبط جماعة الحوثي، في مفارقةٍ عجيبةٍ، لم تكن تخطر على بال. ومن بين مشائخ الدين الشيخ أحمد البتيت.
أحمد بن علي بن علي البتيت، المولود في العام 1984م، قرية "دار الـمَنامَة" من قرى مديرية الحيمة الداخلية، إحدى ضواحي صنعاء، وبها أخذ تعليمه في مدرسة التعاون، ثم انتقلت أسرته إلى أمانة العاصمة، فواصل تعليمه من الثالث الابتدائي حتى تخرج من الثانوية العامة. وكان قد أكمل حفظ القرآن الكريم قبل ذلك، ملتحقا بجامعة الإيمان، لمدة ثلاثة سنوات، قبل أن ينتقل للدراسة في جامعة صنعاء كلية التربية، قسم القرآن وعلومه، مع استمرار الدراسة على الفقهاء في مساجدهم، أمثال القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني رحمه الله، وغيره من الفقهاء. وقد أبدى تميزا ملحوظا، ونبوغا استثنائيا من بين أقرانه وزملائه.
وأخذ الإجازات عنهم في علوم الشريعة كالفقه والحديث واللغة العربية والأصول والتفسير.
واصل تعليمه العالي، فنال الماجستير في المقارنة بين التفاسير، ثم أطروحة الدكتوراه في التفسير الموضوعي، بعنوان: "عوامل نهضة الأمة من خلال القرآن الكريم".
مارسَ الشيخ البتيت عددًا من الأنشطةِ عقب تخرجه من الجامعة، منها تأسيسه لمركز المنهاج للاستشارات التربوية والتعليم المكثف في صنعاء، في العام 2013م، وعمل مديرا لبرنامج "يدعون إلى الخير" الدعوي الإلكتروني، وله مساهمات علمية في مراجعة بعض الأعمال وتحقيقها وتهذيبها، كما له عدة أبحاث ودراسات في علوم القرآن الكريم والعلوم الشرعية، وعدة أنشطة متفرقة في العديد من المؤتمرات وورش عمل ومنتديات علمية واجتماعية وثقافية وتربوية.
وبعد اجتياح العاصمة صنعاء من قبل مليشيا الظلام السلالية الكهنوتية اضطر لمغادرة صنعاء؛ بل اليمن كلها، فبدأ بالتعليم والتثقيف عبر الوسائل الإلكترونية.
وأهم تلك المناشط برنامج "واعي" الذي حظي برعاية كريمة من وزارة الأوقاف والإرشاد اليمنية الشرعية بقيادة الوزير الشيخ محمد عيضة شبيبة، منذ أن كان وكيلا لقطاع الإرشاد.
وقد استفاد من برامج "واعي" التعليمية والتثقيفية والتوعوية عشراتُ الآلاف، في عشرات الدورات التي قدمها مجموعة من الأكاديميين عبر منصات برنامج وعي، وكانت البرامج موجهة للشباب والنشء في داخل الوطن.
أما على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي فله نشاط ملحوظ، وقد كتب مئات المقالات الاجتماعية والعلمية والوطنية، وبيّن كثيرًا من زيف وادعاءات السلالية الكهنوتية العنصرية.
كما شارك في رفع مستوى الوعي عبر القنوات المشاهدة، والمناظرات والحوارات على المساحات المختلفة.
على صعيد الفكر الإمامي الكهنوتي يرى الشيخ أحمد البتيت أن هذه النظرية الرسية الثيوقراطية قد مسخت عقائد الناس الصحيحة، وحولتها إلى كتلة أساطير وخرافات من بلاد فارس، متأثرة سياسيا بالخمينية الإيرانية المعاصرة، فجهلت الناس، وأشاعت الفتن والاقتتالات بينهم، وشجعت الانقسامات الاجتماعية والمذهبية والمناطقية، وأمعنت في الإيذاء المتعمد والترهيب وتكريس الطبقية بين أبناء المجتمع الواحد؛ لهذا وغيره فالإمامة السلالية الكهنوتية خطيئة يجب منابذتها، حتمًا شرعيًا، وضرورةً وطنية، كما يرى.
البتيت والأقيال
في الواقع الشيخ أحمد البتيت ليس رجل دين، أو فقيه ومحدث فحسب؛ بل سياسي أيضا، وله آراء فكرية متقدمة، كما له مواقف سياسية مستنيرة على الصعيدين النظري والعملي معا. همه وهمته تكمن في مواجهة الحو. ثية فقط، لا غير، وعادة لا يعير المعارك الجانبية اهتمامات كبيرة؛ بل يشجع كل من يقف اليوم ضد الحو. ثي أيا كان توجهه أو معتقده. لهذا له موقف متقدم من فكرة الأقيال التي يتخذ بعض الشيوخ موقفا منها، لمتشابهات في التأويل، أو لتطرف ما من قبل عنصر أو عنصرين في الظاهرة الأقيالية. إنه يجيد قراءتها قراءة جيدة؛ إذ يرى أن الأقيالية هي قدرُ اليمن واليمنيين في مواجهة عنصرية السلالية، وعليهم أن يستوعبوا ذلك، ووجود نتوءات هنا وهناك لبعض مَن يزعم أنه من الأقيال لا يلغي عظيم فكرتها، فالأشخاصُ إلى اضمحلال وزوال، وتبقى الأفكار الصافية بتحمس حملتها لمبادئها، مؤكدا أن مبادئ الأقيال لا تصادم الدين أبدًا ولا نبيه ولا شرعه. الأقيال فكرة شبابية، تدعو لإنعاش اليمني وبعثه من خضوعه وذلته التي مورست عليه بأشكال وأصناف متعددة، واستُخدم لتركيعه كل وسيلة، منها الخرافة والكهنوت تحت اسم الدين وحب السلالية وتفضيلها وامتيازاتها، ولو كانت الأفراد المنحرفة تؤثر على عدالة القضية والمبدأ لَكان عبدالله ابن أبي بن سلول المنافق قد أثّرَ على عدالة الإسلام وصوابيته.
فالجدل حول فكرة الأقيال ناشيء من أربعة منطلقات، كما يرى:
الأول: من المخزون السلالي الإمامي، ولوبياته المنتشرة، والتي لا تفتأ تنخر في كل فكرةٍ أو شخصية يمنية تحاول الانعتاق من خرافاته.
الثاني: عقدة الخرافة المتلبسة في أذهان كثير من اليمنيين باسم الدين، فيظنون كل محارِبٍ لتلك الخرافات محاربًا للدين!
الثالث: سرعة انتشار وقوة فكرة الأقيال، فتخشى كثير من الرموز الحزبية والفكرية أن تكون هذه المظلة الجامعة مقلِّصة لمظلاتهم ومحجِّمة لأدوارهم، وهو وهمٌ وتخوّفٌ غير مبرر.
الرابع: أطروحات غير متزنة يضعها بعض المعرفات والأسماء الوهمية التي تدعي انتسابها لفكرة الأقيال.
له حتى الآن سبعة مؤلفات، منها:
1ــ فتنة السلالية في الإسلام وجنايتهم على المسلمين، ناقش فيه ادعاءات السلالية أفضليتهم على الخلق، وما ترتب على هذه الدعوة من زمن قديم.
2ــ مدخل لفهم موضوعات القرآن الكريم.
3ــ في ظل آية.
4ــ علوّ القرآن وفوقيّته.
وهذه الإصدارات الثلاثة متعلقة بفهم وتدبر النص القرآني، ومحاولة تنزيله على قضايا الواقع.
5ــ مقارنة وتحليل لتفاسير مختارة.
6ــ عوامل نهضة الأمة من خلال القرآن الكريم، هدَفَ إلى إبراز ومناقشة بعض ما اشتمل عليه القرآن الكريم من تلك العوامل والمقومات، وإيضاح سبقِ القرآن الكريم بتناولها وعرضها وفق منظومته المتكاملة للاستخلاف في الأرض وعمارتها.
7ــ كتاب: الأربعون النبوية في ذم السلالية والعنصرية، وهو جمعٌ لأربعين حديثًا نبويًا في ذم العنصرية والسلالية والقبلية وكل دعوة على غير هدي الإسلام وطريقته العادلة، تم جمعها من كتب السُنة، وهي تبين مدى انسجام حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع مبدأ القرآن الكريم في ذم كل عصبية أو ادعاء أفضلية بغير التقوى والعلم والعمل. وقد قدم لهذه الأحاديث بآيات بينات من الكتاب العزيز هي أصل هذه الأحاديث ومادتها، مع شرح بعض ألفاظها وغريبها.
التعليقات 0:
تعليقك على المقال