أقلام في مسيرة النضال 3.. كامل الخوداني.. من الكلمة إلى البندقية
ثابت الأحمدي
للحضارات التاريخيّة أدواؤُها وأسقامُها معا، وللبلدان العريقة سنوات جدبها، كما لها مواسم رغَدها، وكلٌ آتٍ من الآخر، كما يأتي الربيعُ من الشتاء، وكما تأتي أنوارُ النبوات من ظلمةِ الجاهليّات.
البلدانُ التاريخيّة العريقة ولّادةٌ بالعظماء، فيّاضة بالأُصلاء من أبنائها الذين يعيدون لها كبرياء المجد وروح التاريخ، وما توارى نجم إلا لتبزغ أهلة، وتشع أنجم، وتضيء أقمار، وتشرق شموس. وكم في بلدي العظيم من أنجم توارت، وشموس أشرقت، من أغصان ذبلت، وأفنانٍ تبرعمت.
في كل فصلٍ من فصول تاريخ يمننا الحبيب تمنحنا متونُ أرضه أعذاقا من خِيرة ما أنجبت، وفي كل تحول من تحولات المراحل تمنحنا دفقا من ينابيعها الثجّاجة، تروي هذه الدفقات في كل شبر منها ظمأ اليباس، وتعيد إلى وجنتيها نضارة الشباب.
يظهر كاهن "مزدكي" هناك، فينبري له "قيل" يماني هنا، تنسلُّ ثعابينُ المكر من أوكار الخبث، فتهبُّ صقور الثأر من أعشاش الأجمات. ينعق بوم الخراب، فيغرد شحرور الحقل، يتعلق كاهن بوهم النسب المزيف فنحضن أعماق الثرى المتجذر، يُشهرون خنجر الغدر بلؤم، فنرفع سيف المقاومة بشمم، يتسلل ناقصُهم، فيبرز "كاملنا"، وهكذا حياة اليمني مع تلك السُّلالة الخبيثة من قرون طويلة.
كامل مصلح أحمد الخوداني، المولود في عزلة خودان، مديرية يريم، محافظة إب، قَيل يماني من نسل حمير، في خبان التاريخ، خبان الأصالة التي أنجبت واحدًا من عظماء القرن العشرين في اليمن، هو الشهيد البطل علي عبدالمغني، قائد تنظيم الضباط الأحرار، وأحد أبرز وجوه سبتمبر، إلى جانب آخرين أيضا، كانت لهم مواقف تاريخيّة وبطولات وطنية حتى اليوم.
درس المرحلة الابتدائية في مدرسة الفتح عزلة خودان، ثم درس الاعدادية في مدرسة خالد بن الوليد بمدينة يريم، وأكمل التعليم الثانوي في مدرسة سيف بن ذي يزن بصنعاء. كما حصل على شهادة البكالوريوس في المحاسبة من جامعة صنعاء، إلى جانب دبلوم إدارة أعمال من المعهد الوطني للعلوم الادارية.
من وقتٍ مبكر في حياته كانت لديه ميول أدبية، وخصوصًا في الشعر والرواية، كما كان له شغف كبير بالصحافة التي ارتبط بها منذ مرحلة الإعدادية، وقد كتب العديد من القصائد الشعرية، وله ديوان شعري ينتظر الطبع.
كانت بدايته العملية والجادة مع الصّحافة، مديرا لتحرير صحيفة "الوادي"، وهي صحيفة محلية كانت توزع على مستوى محافظة إب، متجهًا لكتابة المقالات الأسبوعية؛ حيث كان له عمود أسبوعي في صحيفة المنتصف وصحيفة الميثاق، وصحيفة اليمن اليوم، وعدد من المواقع الإخبارية الأخرى.
التحق بالوظيفة العامة في مجلس الوزراء، مديرًا للمراجعة المالية، كما التحق بصحيفة الميثاق، سكرتيرا لتحريرها.
بعد سيطرة الحوثيين على السلطة كان القيل كامل الخوداني من أوائل من قام بالنشر والكتابة عن جرائمهم وانتهاكاتهم وتدميرهم لمؤسسات الدولة من داخل صنعاء، وانتقدَ بشكل صريح ومباشر كاهنهم الأول، عبدالملك الحوثي، في مقال هو واحدٌ من أشهر مقالاته السياسية بعنوان: "خطيب جمعة ومجرم حرب"، وكان مجرد انتقاده آنذاك بهذه الصورة من الجرائم الكبرى لدى أتباعه وأنصاره، ونادرًا من كان ينتقد قياديا حوثيا علنا، ناهيك عن سيدهم/ كاهنهم الأول، وبسبب ذلك تعرض لأول محاولة اغتيال في ساحة رئاسة الوزراء من قبل أحد المشرفين الحوثيين، لولا تدخل بعض الموظفين وتهريبه خارج مبنى رئاسة الوزراء.
ومع هذه المحاولة التي كادت أن تطفئ شعلة قلبه لم تلن له قناة، أو يضعف أمام هذه التصرفات الشنعاء؛ بل لعلها منحته وقودًا أكثر، وعزيمة أشد، فواصل انتقاد الجماعة علنا في الصحف والمواقع، وكان من أوائل الصحفيين المتحدثين عن نهب الحوثيين للبنك المركزي اليمني بصنعاء، فرفعت القيادة الحوثية ضده قضية أمام محكمة الصحافة، واهمين، أو متوهمين أنه سيواجههم بمفرده، فإذا بكوكبة من خيرةِ محاميي اليمن يتبرعون بالترافع عنه، بلغ عددهم خمسة عشر محاميا، واستمرت المحاكمة أكثر من ثلاثة أشهر، تعرض خلالها لمحاولة الاغتيال الثانية أمام المحكمة بعد رفضه لطلب محمد الحوثي الاعتذار له على صفحته الشخصية في الفيس بوك، من أجل إغلاق ملف القضية نهائيا، بعد أن أخبرهم قاضي محكمة الصحافة أنّ القضية تسير لصالحه، ليقوموا بعدها بعزل القاضي وتعيين شخص آخر، حَكمَ زورًا وبهتانا لصالحهم بسجن الخوداني وتغريمه.
كان القيل كامل الخوداني من أوائل الأقلام الثقافيّة والإعلاميّة التي رفضت أيّ تحالف أو تعاون مع الجماعة الحوثية منذ البدايات الأولى، مؤكدًا استحالة التعايش معهم، وإن ظهروا بمسوح الرهبان، أو رفعوا شعار القرآن. ولطالما صدح بدعوته لقيادة المؤتمر الشعبي العام أنّ أيّ تحالف مع هذه الجماعة الكهنوتية يعتبر خيانة للثوابت الوطنية والجمهورية، رغم محاولة إثنائه عن دعوته هذه، ورغم التحريض عليه من بعض القيادات الإمامية التي تتزيا بلباس المؤتمر الشعبي العام، فيما هي في حقيقتها "جَيْبٌ إمامي" حوثي داخل المؤتمر، إلى حد أن تم توجيه أكثر من إنذار تنظيمي له بالكف عن ذلك، باعتباره سكرتير صحيفة الميثاق، الناطقة باسم المؤتمر الشعبي العام، وباعتباره عضوًا في اللجنة الدائمة، ورئيسا للمؤتمر الشعبي العام في منطقته، وأكثر من ذلك فقد أسس تكتلا خاصًا من عدة شخصياتٍ مؤتمرية من السياسيين والإعلاميين والمثقفين، سماه "تكتل مؤتمريين ضد الحوثي"، يهدف هذا التكتل إلى مواجهة جماعة الحوثي بشتى الوسائل، ونشر جرائمهم وفسادهم، وتوعية المجتمع من خطرهم، وخطر المد الإيراني الخميني، باعتبارهم ذراعًا خمينية في اليمن لا أكثر، وباعتبارهم عصابة أيديولوجية تنتمي إلى عقيدة ثيوقراطية عتيقة هي عقيدة الولاية والاصطفاء، ولا علاقة لها باليمن والجمهورية والوطنية.
كان كامل الخوداني أول المبادرين لتوجيه الدعوة للجماهير للخروج في مظاهراتٍ شعبيةٍ ضد انتهاكات الحوثيين، وللمطالبة بصرف الرواتب، وقد تفاعل مع دعوته آلافُ اليمنيين الذين خرجوا للمظاهراتِ رافعين شعار "قطع الراس ولا قطع المعاش". وفي أول عملية خروج لها تم اعتقال أكثر من خمسين متظاهرا، وكانت هذه المظاهرة آخر مظاهرة ضد الحوثيين، وقد تم اختطافه واحتجازه لمدة يومين في مبنى اللجنة الدائمة. كما سبق له قبلها أن قام ومعه مجموعة كبيرة من رفاقه الأحرار داخل صنعاء بوقفتين احتجاجيتين أمام مبنى وزارة الخارجية بصنعاء، تندد بالتدخل الايراني في اليمن وتزويد جماعة الحوثي بالسلاح، وتطالب برفع هذا التدخل، داعية لقطع العلاقات معها، وهي أول وقفتين من نوعها تحدث في العاصمة حيث القبضة الحوثية، وقام للتو بعمل ندوتين في صنعاء حضرها عددٌ من الباحثين والمثقفين والمهتمين، تتحدثُ عن جرائم وانتهاكات الحوثيين بحق المواطنين، واستهداف الدين، وتدمير النسيج الاجتماعي، فتم اقتياده فورًا إلى مبنى الأمن السياسي والتحقيق معه، وتوجيه التهمة بالخيانة الوطنية وزعزعة الأمن والاستقرار، وقد تم إطلاق سراحه بعدها بيومين، نتيجة للضغوط الشعبية والإعلامية ضد الحوثي، المطالبة بإطلاق سراحه، بعد إرغامه على كتابة تعهد بعدم تكرار هذا النشاط.
ويواصل القيل كامل تحديه تجاه هذه الجماعة، وتجاه بعض القيادات المؤتمرية المتمالئة مع الإمامة الحوثية، فأسس "حركة أحرار صنعاء"، مع بعض رفاقه الوطنيين، ونشطت هذه الحركة بداية الأمر، فطبعت المنشورات، ووزعت البيانات، وعلقت الملصقات التي تدعو للانتفاضة الشعبية ضد الحوثيين داخل صنعاء، الأمر الذي شكل قلقا كبيرًا للحوثيين، وشعروا معه بالخطر، ومن ثم اتخذوا قراراتهم الأمنية بتعقب هذه الجماعة وقيادتها وممولها، فصارت حركتُه محدودة، بعد أن أصبح رأسُه مطلوبا بأي حال من الأحوال، فقام بتحويل منزله إلى ما يشبه المنتدى اليومي للصحفيين والإعلاميين والناشطين المؤتمريين، وفيه كان يتم استقبال شكاوى الناس، ومن ثم نشر ما يقوم به الحوثيون من جرائم وانتهاكات، ما دفع الحوثيين لصياغة ما سموها: "وثيقة الشرف الإعلامي" مع بعض قيادات المؤتمر، وتمت دعوته لإقرارها والتوقيع عليها، وعرض منصب الناطق الرسمي للحكومة بدرجة وزير، واعتماد ماليّة شهرية أيضا، فرفض كامل هذا العرض نهائيا، مواصلا نشاطه أكثر على مستوى فروع المؤتمر في المحافظات، وبدأ بتشكيل مجموعاتٍ مسلحةٍ بإشرافِ العميد طارق محمد عبدالله صالح، بشكل سري، كما شارك مع آخرين في إعداد خطة انتفاضة 2 ديسمبر 2017م، وقد كان اسمه على رأس قائمة المطلوبين، فتم حصار منزله بصنعاء، ثم اقتحامه من قبل ستة أطقم حوثية، ولكن بعد أن استطاع الفرار من الجهة الخلفية للمنزل بالقفز من الدور الثالث، حتى أصيب إصابات بالغة بخلع كتفه، وجروح عميقةٍ في جسده، فنهب الحوثيون منزله وممتلكاته كاملة، وتم التعميم عليه في المرافق الأمنية التابعة لهم، باعتباره مجرما فارًا من عدالتهم، ومتهما بالتخابر مع "العدوان" حد زعمهم.! وكانت عدن وجهته الأولى، وفيها شارك مع رفاقٍ آخرين في تأسيس حراس الجمهورية، ومتكفلا بالحشد، والتنقل بين المعارك على طول امتداد الساحل الغربي حتى مدخل مدينة الحديدة، حيث استشهد هناك ابنه وابن أخيه في معارك التحرير ضد الحوثي.
حاليا يرأس كامل المكتب السياسي للمقاومة الوطنية في محافظة إب، متنقلا ما بين المخا وإب، وبعض المناطق المحررة في الداخل، إضافة إلى تنقلاته الخارجية، وكله شعلة من النشاط والهمّة والنضال، وفيا مع قائده العميد طارق صالح، وقبل ذلك وفيا مع القضية الوطنية.
كامل.. سلام الله عليك مناضلا ومكافحًا عتيدًا صلبًا، وسلام الله على شُهداء آل بيتك أجمعين.
التعليقات 0:
تعليقك على المقال