تفاصيل المقال

الإمامة ورؤوس اليمن.. إجرام عابر للعصور

الإمامة ورؤوس اليمن.. إجرام عابر للعصور

ثابت الأحمدي

ثابت الأحمدي

 

خلال كل تاريخها الأسود، ابتداءً من إبراهيم الجزار، داعية ابن طباطبا، مطلع القرن الهجري الثالث، مرورًا بالمجرم السفاح يحيى حسين الرسي، وانتهاء بجرذ الكهف الحوثي، خلال كل هذه الفترة التاريخية الطويلة استهدفت الإمامة كل رؤوس اليمن، قتلًا وسجنًا وتشريدًا وإشاعات ونهبًا، كسياسة؛ بل كعقيدة دينية لديها توارثتها خلفًا عن سلف. وبالمثال يتضح المقال:

 

أكثر من مرة حاول ابن طباطبا اغتيال كل الرؤوس اليمانية التي واجهته ورفضت مشروعه الكهنوتي آنذاك، كالشاعر والفارس اليماني الكبير أحمد بن يزيد القشيبي، وغيره. وقصته مبسوطة في كتابنا "26 سبتمبر المسيرة والميلاد محطات من نضال الأحرار".

 

بعد أحمد بن يزيد القشيبي، وخلال فترة الكاهن الأكبر والمجرم السفاح يحيى حسين الرسي، استهدف هو وأتباعه الطبريون والديالمة الفرس، وأبناؤه من بعده القيل اليماني الكبير علي بن الفضل الحميري الخنفري، الذي أراد أن يبني ملكًا أساسه "اليمانية" بما تحمله من عمق حضاري وتاريخي قديم، فواجهته الإمامة وأهالت عليه الإشاعات المغرضة التي تشوه تاريخه، حتى استطاعوا النيل منه، وقتله بالسم في عاصمة ملكه "مذيخرة" من إب، سنة 303هـ، زمن حكم أحمد بن يحيى حسين الرسي.

 

إلى جانب ابن الفضل، وفي نفس الفترة أيضًا إمام اليمن الأكبر الحسن بن أحمد الهمداني، المؤسس الأول لحركة النضال الوطني، وأول من أدرك حقيقة المشروع الإمامي الفارسي الأرعن آنذاك، فواجهه مواجهة شرسة، مواجهة ميدانية، ومواجهة ثقافية من خلال موسوعته العلمية الكبرى "الإكليل" الذي وثق فيه أمجاد وحضارة اليمن القديمة حتى عصره، إضافة إلى عمله الأدبي الشعري المعروف "الدامغة"، التي تعتبر ملحمة اليمن واليمانيين، وعلى مكانته الاجتماعية والعلمية إلا أن الإمامة قد نالت منه، فسجنوه وعذبوه وشوهوه لدى القبائل اليمنية، كما فعل مع ابن الفضل، وعملوا على إخفاء أعماله، وظلوا حاقدين عليه حتى اليوم.

 

تلا هؤلاء الاثنين، القيل اليماني الكبير نشوان بن سعيد الحميري، الذي نالت منه الإمامة أيضًا تشويهًا وتشريدًا وإفقارًا، خلال فترة الكاهن الإمامي المجرم أحمد بن سليمان الذي عمل على نفي نشوان إلى حضرموت، ولم يعُد إلا في فترة متأخرة من حياته، وقد فَقدَ كل شيء في حياته، عاش فيها شيخًا مسنًا حتى وافاه الأجل في حيدان سنة 573هـ، ونشوان قيل ابن قيل ابن تاجر معروف، كان له ولأسرته شأن كبير في بلاده. وكان والده من مشاهير رجالات مدينة حُوث.

 

إلى جانب هذه الرموز الاجتماعية والسياسية، أيضًا رجالات العلم الكبار، أمثال الإمام صالح بن مهدي المقبلي الذي كفره كرادلة الهادوية آنذاك، وضيقوا عليه المقام حتى اضطروه للهجرة والخروج إلى مكة، ثم إلى داغستان، وسط آسيا، وهناك لقي الاحترام والتبجيل، وشاع له مذهب فقهي هناك، عرف بالمذهب اليماني، وأيضًا الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الذي حاصروه وسجنوه، ثم الإمام الشوكاني على عظمة قدره ومكانته العلمية؛ حيث كفره كرادلة الهادوية، كابن حريوة السماوي، الفقيه الجارودي المتعصب الذي خلع عليه ما في قواميس اللغة من شتائم وسباب. "حذفها المحقق محمد عزان أثناء تحقيقه لكتابه: الغطمطم الزخار المطهر لحدائق الأزهار من آثار السيل الجرار"، وهي تزيد عن مئتي لفظ سوقي يخجل أي شخص من نطقها أو كتابتها.

 

في القرن العشرين.. دخلت رؤوس اليمن السجن خلال فترة الكاهن يحيى حميد الدين ونجله الطاغية أحمد، ليس ذلك فحسب؛ بل طارت مئات الرؤوس قتلًا أو اغتيالًا، خاصة بعد ثورة 48 الدستورية. ومن بقي رأسه على جسده اضطُر للنزوح والهجرة والتشرد كالزبيري ونعمان وغيرهم، واكتظت الأقطار المجاورة باليمانيين المهاجرين من بلادهم.

وفي الواقع لا عجب، لأنها ذرية بعضها من بعض، ومن شابه أباه فما ظلم.

 

وماذا بعد؟ 

يواصل جرذُ الكهف اليوم، عبده الحوثي، وزمرته اللئام من الكهنة الإماميين ذات النهج، ويسيرون على نفس المسيرة- ونعوذ بالله من كلمة مسيرة- فما أبقوا رأسًا إلا وقطفوه، ولا شجاعًا حرًا أبيًا إلا واستهدفوه، ولا عزيزًا إلا وأذلوه. والشواهدُ أكثر من أن تُحصى.

 

ولعل خاتمة عظماء اليمن ورجالاتها الكبار الذين استهدفتهم آلة البطش الإمامية الكهنوتية، هو الزعيم علي عبدالله صالح، رحمه الله، الذي دعا إلى ثورة شعبية ضد هذه الجماعة، بعد طول صبر عليهم، فنالت منه، كما عملت على نهب ممتلكاته وسجن أتباعه وأقاربه وتشريدهم، ولا تزال تعمل على ملاحقتهم حتى اللحظة.  

كانوا يومًا ما تحت قبضته، وبوسعه إبادتهم والتنكيل بهم؛ لكنه لم يفعل، ولكونه رجل حوار وتفاوض ظل سنوات طويلة يحاور ويناور ويدعو، من باب: لعل وعسى، ومع هذا كله استعصوا على التمدن، وعلى العيش بسلام كغيرهم من أبناء المجتمع اليمني، وأبوا إلا أن يمارسوا هوايتهم التاريخية في القتل والتشريد والتنكيل، متحيّنين الفرصة المناسبة لقطف رأسه، حتى أتت. ولا يزالون في مؤامراتهم حتى اللحظة على كل يمني حر رافض لاستعبادهم وطغيانهم.

 

واليوم.. هل عرفتم من هي الإمامة؟ وهل وعيتم استهدافها لكل يمني شجاع حر يأبى الضيم؟!

التعليقات 0:

تعليقك على المقال