تفاصيل المقال

الجذر القومي والهويات الدخيلة

الجذر القومي والهويات الدخيلة

فتحي الكشميمي

فتحي الكشميمي

 

واحدية الأرض والتاريخ والمصير وبالمقام الأول الإثنية العرقية، عوامل يكاد لايرى غيرها في التكوين القومي لليمن التاريخي الكبير. 
ممالك اليمن القديمة إبتدأ من مملكة معين وإنتهاء بمملكة حمير التي بسطت نفوذها وسلطتها ووحدت البقعة الجغرافيا لليمن الكبير بنظام سياسي موحد ومن دونه حكم الأقاليم او المخاليف التي يترأسها (قيل) نيابة عن الملك وينصاع له.
إلا أن النظام الاجتماعي المعيشي يختلف بأختلاف البيئة الجغرافيا المتنوعة بين بوادي وحضر، وبين مرتفعات جبلية ومنخفضات ساحلية.

خلق هذا التنوع ثقافات متباينة واثرى التكوين الجمعي لليمن بشكل عام موروث وافر وغني في شتى مجالات الحياة.

إستمر هذا المزيج الرائع يماني مفاخر ومعتز بالهوية اليمنية  حتى قدوم السلالة الهاشمية في أواخر القرن الثالث الهجري!

تغير وتبدل هذا الإرث المتوارث آلاف السنين والذي خلق الشخصية اليمنية المفتخرة بذاتها وثقافتها وقوميتها بكل ماتشمله من إنتماء لليمن.
تغير كل ذلك وأصبحت شخصية ضعيفة تتلقى ماتمليه عليها السلالة الهاشمية. 

في شمال اليمن  صعودا يتركز هذا التغيير بدرجة اكبر واقوى  من وسطه وأطرافه، حيث لم تجد الهاشمية موطئ قدم لها وحاضنة تميل للجانب الديني المغلوط كالتي في شمال الشمال. 

في شمال شمال الوطن ارغموا على اعتناق ثقافة الهاشمية والتمنطق بمنطقها بدافع التدين الساذج و العاطفي المتلقف لكل مايتوهمه انه تقرب وتعبد لله، وماهو الا مكيدة هاشمية لتكريس هذا الجانب لتمرير مصالحها السياسية ومطامعها في الحكم تحت ذريعة تأصيل (الحكم في البطنين).
ظهرت ثورات مضادة للهاشمية وشخصيات ثائرة رافضة هذا التجريف والتسلط السلالي فكانت توئد وتنتهي بتدبير هاشمي وايادي يمنية للأسف. 

في جنوب الوطن يكاد يكون التأثير الهاشمي اقل مماهو عليه في شماله، من ناحية التسلط و تأصيل فرية (الحكم في البطنين) مع التدقيق بأن هواشم الجنوب جملة مؤيدون لأقرانهم السلاليين من خلال المذهب الصوفي الذي يعد البذرة الأولى لهذا الطريق.

لعب الجنوب دورا بارزا في انعاش الدور التعليمي في اليمن شماله وجنوبه، فكان ملجأ الشعراء و المفكرين والمثقفين والأدباء والسياسيين من ابناء شمال اليمن.
فتكونت حاظنة شعبية امتزجت فيها ثقافات اليمن شماله وجنوبه   تشريت التحضر والانفتاح مما أثر على عقلية السلطة الحاكمة.

في جنوب الوطن سميت اول جمهورية بعد الاستقلال وبعد توحيد السلطنات جمهورية (اليمن الديمقراطية الشعبية)
من قرأة الاسم يتضح البعد القومي لجنوب الوطن وارتباطه بإنتماءه التاريخي عكس شمال الوطن الذي أعطى أولوية الانتماء العربي  على انتماءه القومي الوطني (الجمهورية العربية اليمنية) لعل ذلك بسبب  ببزوغها في فترة انتعاشة القومية العربية المتقدة حينها. 

وفي جنوب الوطن أيضا وفي عهد النظام الاشتراكي انصفوا الملك عبهلة بن غوث العنسي في المقرر الدراسي وتم وصفه ثائر وطني ثار على وطنه وارضه وقاوم جحافل المتوردين وقاتلهم بشجاعة وإستبسال ورفض اخذهم موارد اليمن وإرسالها للسلطة المركزية في المدينة. 

في المقابل  في شمال الوطن عرف بأنه الأسود العنسي مدعي النبوة والمعارض لأوامر السلطة المركزية في المدينة وتوصيفه بأبشع الصفات!

في جنوب الوطن وفي حقبة النظام الاشتراكي كانت المدارس والمعاهد والمستشفيات والمعسكرت بأسماء ممالك اليمن القديم و شخصيات نضالية ثورية استشهدت والمقام لايتسع لذكرها..

بينما في شمال الوطن عكس ذلك تماما وبنسبة تتجاوز ال80% اسماء قرشية بشكل عام لاتمت لليمن بصلة. 

كما قلنا ان الدافع الديني طغى على ثقافة المجتمع القومية وإنتماءه الوطني التاريخي  وذابت فيه حتى تلاشت و اندثرت وحلت مكانها الهوية الإيمانية واحفاد الأنصار..

 يريدون بذلك اختزال تاريخ اليمن وتحجيمه منذو بزوغ الإسلام فقط!
ففيه حد زعمهم لافضل لعربي على عجمي الا بالتقوى، وفيه يتساوى القرشي من لايملك التاريخ  مع غيره  من ابناء الحضارات ممن اعتنق الإسلام،  وتوصيف حضارتهم و تاريخهم الانسانى الزاخر "بعهد الجاهلية" كذب وإفتراء!

فلم تكن هناك جاهلية تذكر الا التي في قريش وهي نكرة تاريخية بدا تاريخ ذكرها منذو 1400 عام فقط. 

وفي تناقض عجيب يرون ان لهم أفضلية عرقية، فكيف يحكمون بالمساواة بعد الإسلام ويؤمنون بنصوص تعطيهم أحقية الحكم والسلطة في قريش ويضيق هذا التصنيف حتى يكون خالص لبنو هاشم فقط!!

عبثوا بالنصوص وخلقوا لهم دين داخل الدين نفسه إزاء رغبتهم في الحكم والتسلط وتمكينهم من رقاب الناس وسلب هويتهم وانتمائاتهم القومية..

إن مشكلة اليمن اليوم هي وليدة الأمس، مشكلة إنتماء قومي في المقام الأول والأخير، انتماء قومي افرغ من محتواه بشكل معاكس وأصبح انتماء ديني مذهبي طائفي مناطقية، بدوره خلق تغييرات فكرية وسياسية وثقافية وإجتماعية شوهت الشخصية اليمنية.

الانتماء الديني علاقة روحية قابلة للتغيير، اما الانتماء القومي غير قابل فمحال ان يتغير  يخلق معك ويبقى ملاصق لك حتى الموت.

التعليقات 0:

تعليقك على المقال