تفاصيل المقال

اللغة المهرية لسان عربي قديم يأبى الاندثار

اللغة المهرية لسان عربي قديم يأبى الاندثار

منتدى معد كرب القومي

منتدى معد كرب القومي

عامر فائل بلحاف

في كتابه الحديث "مَهْرَة في مصادر اللغة والأدب"، ذكر الباحث المهري الدكتور عامر فائل بلحاف استاذ اللغة والنحو بجامعة نجران ورئيس مركز اللغة المهرية للدراسات والبحوث بمحافظة المهرة أنّ اللغة المهرية هي لسان عربي قديم، حيث يتكلم بهذا اللسان أهل المهرة المنتمون نسباً إلى: مهرة بن حيدان بن عمرو بن لحاف بن قضاعة، ويمتد النسب بعد ذلك إلى مالك بن حمير.

 

وتحدث أيضا عن بلاد أهل المهرة، وقال: أما بلادهم المهرة، فهي محافظة من محافظات اليمن وبوابتها الشرقية؛ إذ تحدها سلطنة عُمان شرقاً، والمملكة العربية السعودية شمالاً، ومحافظة حضرموت غرباً، ويحدها من الجنوب بحر العرب، وتتموضع هذه البلاد في رقعة جغرافية كبيرة تتجاوز ٩٣٠٠٠ كم مربع، وذلك حسب النشرة الإحصائية للجهاز المركزي للإحصاء بمحافظة المهرة، ممّا جعل تكوينها الجيولوجي يتنوع بين أراضٍ ساحلية، وثانية سهلية، وثالثة جبلية، وفي الداخل توجد الوديان السحيقة والصحاري الممتدة.

 

وألحق أيضاً، أنً المهرية لم تنحصر في تلك الحدود التي رُسمتْ، بل تعدتها إلى البلدان المجاورة كسلطنة عُمان ؛ إذ تتكلمها بعض قبائل الإقليم الجنوبي (محافظة ظفار) المنحدرة من أصول مهرية، كما تتحدث بها بعض قبائل المملكة العربية السعودية في الربع الخالي والمنطقة الشرقية المنحدرة من الأصل نفسه، وتتحدث بها أيضا قبائل المهرة في الإمارات العربية المتحدة.

 

ليس هذا فحسب، بل أكّد، باحث مهري آخر، الدكتور سعيد نجادان القميري نائب عميد كلية العلوم التطبيقية والإنسانية المدير التنفيذي لمركز اللغة المهرية للدراسات والبحوث بمحافظة المهرة، في رسالته الدكتوراه الموسومة ب "التحليل الصرفي والنحوي لتركيب الجملة في اللغة المهرية"، ان هذا اللسان المهري تجاوز حدود الدول المجاورة، وانتقل إلى خلف البحار حيث استقر به المقام في بعض بلدان القرن الأفريقي كتنزانيا وكينيا، وذلك بسبب الهجرات المتتالية لقبائل المهرة، التي آثرت الاستقرار هناك، بحثاً عن المعيشة، والحق أيضا، أنّ المهرية لم تعد لغة أهل المهرة الذي ينتمون إلى نسب مهرة بن حيدان، بل انها صارت لغة أقوام وشعوب أخرى داخل محافظتي المهرة اليمنية وظفار العُمانية، وهذا ما يؤكد لنا القول جميعا إن عدد متحدثي اللغة المهرية قد يتجاوز الثلاثمائة الف (٣٠٠٠٠٠) متحدث.

 

ذكر القميري في رسالته العلمية المذكورة آنفاً، أنّ عمر وتاريخ اللغة المهرية لا يمكن تحديده أي باحث، ولكن هناك شواهد لغوية قديمة لا تزال المهرية محتفظه بها، هذه الشواهد هي عبارة عن مفاتيح تؤكد لنا أنّ المهرية لسان عربي عتيق، حيث لا يزال يحتفظ بديباجيته القديمة، من هذه الشواهد اللغوية التي ذكر بعضها الدكتور سعيد القميري وأستطرد في ذكرها دكتورنا الفاضل عامر فائل بلحاف، وهي كالآتي:

 

ضمير الغائبة: إستنادا لقول حسن ظاظا في كتابه (الساميون ولغاتهم)، أنّ التطور اللفظي لبعض حروف الصفير كالسين مثلاً، الذي حل محل الهاء في الضمير المنفصل، على سبيل المثال؛ الضمير الغائب هو في العربية الفصحى يقال سو في العربية الجنوبية و شو في البابلية والآشورية، وهذا ما نجده فعلاً في المهرية حيث يقال سيه للمفرد المؤنث الغائب هي، وسين للجمع المؤنث الغائب هنَّ.

 

وزن التعدية: وفقاً لدراسة الدكتور محمود حجازي أنّ من السمات الأساسية في السبئية القديمة استخدام الهاء في عدد من الصيغ الصرفية، حيث ان وزن التعدية في العربية الشمالية (أفعل) يقابله في السبئية (هفعل)، وهذا لا يزال شائع الاستخدام في اللغة المهرية، مثل: 

هِبْدُول بمعنى أبدلَ

هِبْهُول بمعنى أنضجَ الأكل

 

اداة التعريف: اثبتت كتب علم اللغة التي عنيت بالحديث عن الساميات أنّ الهاء هي عنصر التعريف في السامية الأم. واقترح الدكتور جواد علي تقسيم العربيات إلى ثلاث مجموعات حسب اداة التعريف المستخدمة فيها وهي:

* مجموعة (ال): كالعربية الشمالية لأنّ أداة التعريف فيها هي (ال) في أول الاسم.

* مجموعة (ان): كالعربية الجنوبية لأن أداة التعريف فيها هي (ان) في آخر الاسم.

* مجموعة (هاء) كاللحيانية والثمودية لأن أداة التعريف فيها هي الهاء في أول الاسم. وهنا المهرية ابتعدت كل البعد عن العربية الجنوبية وتأثرت بالسامية الأم، واستخدمت الهاء للتعبير عن أداة التعريف، مثل: 

       هَيْذِين بمعنى الأُذن

       هَارُون بمعنى الغنم

 

استخدام كلمة (بر) بدل (بن): مثلها مثل اللغة الآرامية، يشبع في اللغة المهرية استعمال كلمة (بر) فيقال: فلان بر فلان، أي فلان بن فلان، ولا يستعمل المهربون (بن) إطلاقاً. وهذا ما أكده حجازي في كتابه (علم اللغة العربية)، حيث قال كلمة (بن) تستعمل في الآشورية والعبرية والعربية، بينما كلمة (بر) في الآرامية والمهرية.

 

اختفاء صوت العين: ذكر موسكاتي في كتابه (مدخل إلى نحو اللغات السامية المقارن) أنّ العربية الجنوبية تحوّل العين إلى همزة. وتحدث ححازي عن اللغة الأكادية وقال أنّ اختفاء صوتين الهاء والحاء من التأثيرات التي حصلت فيها. وإذا عدنا إلى الاستعمال المهري المعاصر فنجد الناس من يقول:

أبدالله بدلاً عن عبدالله

ألي بدلاً عن علي

أيْن بدلاً عن عين

 

لاحقة التأنيث (وت) و (يت): ذكر الدكتور محمد بهجت قبيسي في كتابه (ملامح في فقه اللهجات العربيات) أنّ لاحقة التأنيث (وت) و (يت) موجودة في الأچاريتية والكنعانية التي اشتقت منها العبرية المعاصرة، وهي نفسهما تماماً يتم استعمالهما في 

المهرية المعاصرة، فيقال:

سِيرُوتْ بمعنى سارتْ

حِبْرِيتْ بمعنى ابنة

 

لاحقة المتكلم والمخاطب (الكاف): بعكس العربية الفصيحة ولهجاتها، حيث التاء اللاحقة للمتكلم والمخاطب نحو؛ قلتُ وقلتَ، فهذه التاء قد ترد إلى كافاً في بعض العربيات القديمة أو الساميات الأولى، كما هو مستخدم في المهرية التي يقال فيها مثلاً:

خْرَجْك بمعنى خرجتُ أو خرجتَ

 

لاحقة جمع الفعل (الميم): كما هو معروف أنّ الفعل في اللغة العربية الشمالية يُجمع بإضافة لاحقة الجمع (واو الجماعة) نحو: ذهبوا وأكلوا... خلافاً لذلك، أنّ العديد من العربيات الأخرى كالأچاريتية والكنعانية والإثيوبية يّجمع فيها الفعل بإضافة لاحقة هي (الميم)، وهذا ما أكده موسكاتي في كتابه المذكور آنفاً (مدخل إلى نحو اللغات السامية المقارن)، والأمر ذاته ينطبق على المهرية اليوم، إذ يقول أهلها:

ثْبُورِم بمعنى كسروا

غْبُورِم بمعنى حضروا

 

مخرج الضاد المهرية: وصف سيبويه أنّ الضاد القديمة مخرجها ( من بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد ). وكذلك عند ابن جني (من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد إلا انك إن شئت تكلفتها من الجانب الأيمن وان شئت من الجانب الأيسر )، فهذا الوصف ينطبق تماما على الضاد المهرية، فهي ضاد قديمة وليست كالضاد العربية الحديثة والتي هي صوت أسناني لثوي ذو وقفة انفجارية مجهور مفخم مطبق.

 

 

التعليقات 0:

تعليقك على المقال