عن كتاب معركة الوعي في اليمن للقيل عبد الله اسماعيل.
صلاح الواسعي
هذا الكتاب يجيب عن تساؤلات يمنية مهمة: ما هي الجماعة الحوثية؟ وماذا تريد من اليمنيين، ولماذا استطاعت أن تعود الواجهة من جديد، وما هي مشكلة اليمنيين الحقيقية، لماذا هم ضعفاء ولماذا لم ينجزوا دولتهم بعد. ثم سؤال ما الذي يجب على اليمنيون فعله.؟
يتتبع عبدالله إسماعيل التأريخ اليمني وينهل منه مادة كتاباته، فهو كاتب متخصص بقضايا التاريخ اليمني، واستطيع القول أنه طارد الحركة الحوثية حتى كهوفها التأريخية ليستكشف هويتها ويفهم آلية عملها في تدمير جسد اليمن.
في الجهة المقابلة يتعقب المؤلف الإنسان اليمني إلى جذوره التاريخية ليكشف عن هويته العريقة وينطلق في حفرياته التاريخية من وجود حالة مرضية يعاني منها الإنسان اليمني: السرطان الإمامي، وفقدان اليمني توازنه بضياع هويته، الأمر الذي انعكس على واقع دولته على كافة الاصعدة.
وفي هذا الكتاب الصادر مؤخرا عن مؤسسة بالمسند ومركز نشوان الحميري للدراسات والإعلام، يعرف المؤلف الصراع في اليمن بأنه: “صراع هوية دخيلة مع هوية أمة”. في ذات سياق يشير أن اليمني متهاونا مع هويته بسبب عدم ادراكه لطبيعة الصراع وحقيقته ويتعاطى معه بذهنية القبيلي المتسامح المضياف، فبعد كل جولة صراع ينسى اليمنيون لماذا قامت الحرب والمحصلة هو استمرت المناوشات بين اليمنيين والإمامة أكثر من 1300 عام.
يقول المؤلف “لقد شكلت محاولات اليمنيين في مراحل مختلفة من ذلك الصراع، وفي لحظات التراجع الإمامي، للتعامل مع هذا المشروع بأخلاق العفو والتسامح، وبطيبة اليمني المضياف، فرصا أمام فكر الإمامة للإشتغال على الهدم من الداخل، والاستعداد للعودة والتسلط.”
لهذا يرى المؤلف الحل هو الحدية في الخوصة مع الجماعة الحوثية وعدم التهاون والاستفادة من دروس التاريخ، فالقارئ يوكد قدرة الجماعة على المراوغة مستغلة طبيعة اليمني المضياف المتجاوز تعيش فترة كمون تتحين الفرصة المواتية لتهجم على البلاد من جديد. تشبه بذلك الفطريات الانتهازية، ما أن يضعف جهاز المناعة الداخلي حتى تبرز على السطوح الجلدية. بنفس الآلية تعمل الجماعة الحوثية. يقول المؤلف “لا يجوز أن تستمر الطيبة اليمنية والتغافل الساذج بعد هذه الجولة من الصراع مع مشروع السلالة، بل يجب أن تكون هذه المعركة آخر معاركنا معه.”
على اليمني أن يستلهم مجده التأريخي عن طريق استرجاع ممكناته التأريخية منها مثلا صورة الدولة الرسولية التي حكمت 220 عاما ووصلت سمعتها الطيبة الي الصين. اليمني يستطيع صناعة مجده من جديد وتاريخه شاهد على ذلك.
يصل المولف في تشريح طبيعة الجماعة الحوثية الي كونها، جماعة أمامية كهنوتية ارهابية عنصرية دخيلة على اليمن، لديها مشكلة بنيوية في طبيعة تركيبتها تتمثل بنزعتها الاستعلائية ونظرتها الفوقية للمجتمع لذلك لا يمكنها التعايش مع اليمنيين. جماعة فاشية تدعي تفوقها العرقي وحيازتها لتوجيهات خطية من الله بأن تحكم دون أن يسألها أحد.
يلاحظ المؤلف وجود تطابق بين الحوثيين والإمامة في كل شيء، لا يقتصر حدود التشابه في أساليب الإجرام التاريخية بل حتى في التسميات.
يتساءل المؤلف: لماذا هذا العنف تجاه اليمنيين من قبل الحوثيين؟ وما هي مبررات هذه العنف؟. ويتوصل بالبحث لكون السبب يعود لمصطلح “كفر التاؤيل” الذي تحفل به أدبيات الجماعة وفكرها العقدي: يعني أنه يكفي التجرؤء على تأويل نظريتهم في الحكم والإمامة ليتحول المسلم إلى كافر يستباح دمه وعرضه وماله. وهذا يعني انهم حولوا اليمنيين وفقا لمنظورهم لدار كفر.
يطرح سؤال آخر: ما سبب استمرارية الفكر الإمامي في اليمن؟ ليجد أن هناك سبيين: الاول أن الفكر الحوثي بدا كمشروع يحتفظ ببذور عودته، مشروع قادر على المواءمة مع الاوضاع المختلفة ويجيد فن الذوبان والعودة من جديد. والثاني، تسامح اليمنيين تجاه جرائم السلالة وتغافلهم على استكمال معركتهم معها. لكن في مقابل ذلك فان المشروع يحمل عوامل اندثاره معه. المشروع السلالي يقوم على استثمار الجهل ويعتاش عليه، فرصيده البشري يقوم على تعليم الطفل منذ الصغر واستهداف الفئات الاقل نصيبا في التعلم. لذلك فإن التعليم سبيل قوي لمواجهته ويشدد على ضرورة احيائه عبر برامج قوية.
يؤكد عبدالله إسماعيل على أهمية استعادة الذاكرة لمواجهة مشروع السلالة كخيار استراتيجي ويستشهد برأي المفكر المصري محمد قنديل: “هناك لحظات تفقد فيها الشعوب ذاكرتها، وعندما تفقد ذاكرتها تفقد حاضرها وتاريخها وشخصياتها أيضا..”
الذاكرة اليمنية بقيت في مرمى الكهنوت، على طول الماضي والحاضر، ولقد تعرضت الذاكرة اليمنية لمحاولات طمس كما تعرض الموروث العلمي والكتابي اليمني لعملية استهداف ممنهجة بهدف السعي لاقامة واقع جديد انطلاقا من فكرها المبني على دولة الفكرة لا فكرة الدولة.
التعليقات 0:
تعليقك على المقال