الإمامة الزيدية ومحنة اليمن
منتدى معد كرب القومي
مروى حسين
بدأت محنة اليمن الكبرى والطويلة مع قدوم الإمام الهادي يحي بن الحسين الى صعدة سنة 897 من منطقة طبرستان على بحر قزوين بعد ان استقر لبعض الوقت في جبال الرس في شمال الجزيرة العربية. وكان اشد انصاره ومقاتليه وأخلصهم له هم الجند القادمون من طبرستان. قضى الإمام الهادي يحي بن القاسم الطبراني 14 عاما في قتال شرس وعنيف مع خصومه بما فيهم اخوانه من ما يطلق عليهم آل البيت الذي ينازعونه الحكم وذلك في محاولة لتثبيت سلطته في صعدة، مبتغيا أن تشمل سلطته الدينية والدنيوية كل اليمن. وفي نيته المعلنة لجعل اليمن منطلقا ونقطة ارتكاز للسيطرة على الخلافة الاسلامية. وبفشل الهادي وإبنه المرتضى في تثبيت دعائم حكمهم في اليمن سلك أحمد بن موسى الطبري المكنى بأبو الحسين تلميذ المرتضى ابن الهادي وهو من المهاجرين الطبريين إلى صعدة، طريقا مبتكرا لنشر الإمامة الزيدية مناقضة لطريقة الهادي نفسه. فإذا كان الهادي يحي بن الحسين قد استخدم القبائل اليمنية للقتال في سبيل إقامة دولته واستعادة الخلافة من الأمويين، لجأ أبو الحسين الطبري بعد أن هُزم الهادي واختفت دولته حتى في منطقة صعدة ، الى التبشير السلمي بأفكار الهادي في صيغتها الأولية حين كانت ما تزال دعوة قبل أن تتحول إلى دولة. فقد لزم مسجدا في صنعاء حمل فيما أسمه (مسجد الطبري) وعرف الحي كله فيما بعد بحي الطبري. وهكذا لم يعد للإمامة الزيدية مكانة تستحق الذكر إلى أن جاءت محاولة أخرى بمجيء القاسم بن على العياني سنة 999 ميلادية.
الدولة الصليحية التي نشأت مع ظهور علي بن محمد الصليحي عام 1047م دامت نحو 100 عام لتشمل كل اليمن حتى مكة والتي أصبحت جزء من الدولة الصليحية. الدولة الصليحية قامت على أساس المذهب الإسماعيلي المعتزلي وهي التي رسّخت ووطدت حكما عادلا في اليمن ومستقرا وخاصة أثناء حكم الملكة سيدة بنت احمد الصليحي المكنية بالسيدة أروى والذي حكمت اليمن بعد موت زوجها المكرم أحمد لمدة أربعين عاما وبموتها عام 1137 ماتت الدولة الصليحية التي وحدت اليمن كله لمدة 100 عام تقريبا. كانت الإمامة الزيدية هي من حاولت التمرد على الدولة الصليحية وعلى رأسهم حمزة بن أبي هاشم جد الإمام عبد الله بن حمزة الذي نكّل بالمطرفية واباد رجالهم ونسائهم واطفالهم بوحشية غير مسبوقة في التأريخ اليمني. علما أن مذهب المطرفية فرع من فروع الشيعية، لكنه مذهب أكثر عقلانية وتسامحا ولا يؤمن بحصر الإمامة في البطنين.
وما أن لفظت الدولة الصليحية أنفاسها الاخيرة بموت الملكة سيدة بنت أحمد حتى عادت الصراعات والاقتتال بين الدويلات والسلطنات والمشيخات والاقطاعيات المحلية على الاستئثار بالحكم والسلطة والثروة. ومن هذه الفجوة عادت الإمامة الزيدية من جديدة متسللة من تقوب الانقسام والنزاع على السلطة بين اليمنيين. فظهر الإمام أحمد بن سليمان الذي لُقّب بالمتوكل على ومن بعده الإمام عبدالله بن حمزة وهكذا دواليك من الائمة الذين تعاقبوا على حكم اليمن في مسلسل من القتل والدمار والوحشة والقسوة والعزلة والتخلف والجهل لاحق اليمنيين حتى نهاية حكم الائمة مع قيام ثورة 26 سبتمبر 1962.
تقوم الإمامة الزيدية على مبدأ الخروج على الحاكم شرطا للأمامه بما يعنيه ذلك من قتال وسفك للدماء للوصول إلى الحكم.
كل إمام زيدي يستهل دعوته بتصوير الأوضاع السياسية والدينية لعصره بوصفها خروجا عن الإسلام النقي الطاهر، وأن الإمام الزيدي هو الحق المكلف بتطهير الأرض من الفساد والظلم وما على المسلمين كافة إلا إتباعه. ومن تقاعس وتهاون وامتنع عن نصرة الإمام يعد كافرا ومتهاونا في الدين يستحق أقسى العقاب في الدنيا والآخرة.
جميع أئمة الزيدية يعطون أولوية خاصة في دعوتهم للامامة الى مبدأ الجهاد. حيث يلزمون كل مواطن تحت سلطتهم باستجابته المطلقة لهم ومساندتهم بالنفس والمال، والا أصبح ماله ونفسه وعرضه مباحا. الجهاد إذن عند الائمة الزيدية للوصول إلى الحكم واجب على كل مسلم، فإن لم يستطع أن يحارب بنفسه، فأن لم يستطع ان يحارب بنفسه فبأولاده او بماله. وهم لا يعتبرون كل جهاد هو في سبيل الله إلا عندما يكون جهادا مع "أهل البيت". والإمام الهاشمي الزيدي هو صاحب الولاية والدعوة دون سواه. وتستعين الإمامة الزيدية بحديث ينسبونه الى رسول الله بقولهم : ورد عن جدنا محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم قوله: "لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه، وأهلي أَحبُّ إليه من أهله، وعترتي أَحبُّ إليه من عترته".
وهكذا ما أن دخل المذهب الزيدي الهاشمي اليمن على يد الإمام الهادي يحي بن الحسين وأسلافه القادمين من طبرستان الفارسية الساسانية في بحر قزوين حتى انزلقت اليمن في حروب وصراعات دموية واقتتال لم تنتهي فصولها حتى هذه اللحظة. وما الميليشيات الحوثية بوحشيتها وقسوتها وظلمها وطغيانها والتي تعيث اليوم في أرض اليمن فسادا بمساعدة جمهورية إيران الفارسية وهي الجماعة الناقمة المتمردة التي انقلبت على الشرعية الدستورية عام 2014 إلا إمتدادا سلاليا ومذهبيا وعرقيا لللأمة الزيديين القادمين من طبرستان الذي دشن مجيبهم الى اليمن الإمام الهادي يحي بن الحسين. وكما تفصح التجربة ان اليمن لا يمكن أن ينعم بالسلام والاستقرار والازدهار إلا باستئصال شأفة هذه الجماعة الباغية المجرمة التي غرسها الفرس في جسد المجتمع اليمني.
التعليقات 0:
تعليقك على المقال