تفاصيل المقال

الكاهن أحمد بن سليمان.. المجرم المتغطي بلباس الشعر والكهانة.

الكاهن أحمد بن سليمان.. المجرم المتغطي بلباس الشعر والكهانة.

منتدى معد كرب القومي

منتدى معد كرب القومي

 

 

من كتاب الكهنة للإكليلة لمياء الكندي

 

بعد مقتل الكاهن علي بن زيد وأفول عهد الدولة الصليحية بوفاة الملكة أروى بنت أحمد الصليحي سنة 532هـ، تهيأت الظروف الداخلية في اليمن لاستقبال دعوة الكاهن أحمد بن سليمان الذي أشهر دعوته من عمران الخارد سنة 532هـ.
ارتبطت مسيرة هذا الكاهن منذ الوهلة الأولى لإشهار دعوته بالحروب وارتكاب الجرائم ضد اليمنيين، كان أحمد بن سليمان من أقوى كهنة السلالة الهاشمية وأشهرهم الذين سعوا إلى حكم اليمن؛ فبالإضافة إلى كونه شاباً مقاتلاً؛ كان شاعراً يجيد قول الشعر الفصيح؛ فيحرض القبائل على القتال والالتفاف حوله ونصرته، فكان جامعاً بين السيف والشعر، ليكونا في حدّتهما وقسوتهما موجهان إلى صدور اليمنيين وعقولهم، وكان كذلك مفتياً ومنظِّراً يروِّج للمذهب الزيدي، ويشرعن لسياسته الإجرامية وسياسة آبائه من بيت الرّسي ويقدم ما يرتكبوه من جرائم في حق اليمنيين على أنها الحق والعدالة.
أطلق الكاهن ابن سليمان قصيدته الشهيرة التي توعد من خلالها اليمنيين بمصير أسود وهلاك غاشم يلحق بهم حال تخلفوا عن مبايعته بالإمامة، واستفتح عهده في الحكم بقوله:
لأُحكِّمنَّ صوارماً ورماحا ولأبدلنَّ مع السَّماح سماحا
ولأقتلنّ قبيلةً بقبيلةٍ ولأسلبنَّ من العِدا أرواحا
ولأجلونَّ الأُفْقَ عن ديجورهِ حتى يعود دُجى الظلام صباحا
ولأكسونَّ الأرضَ عمَّا سرعة نَقْعاً مثاراً أو دماً سفَّاحا
ولأرمينَّ بها الخصيب وأهلهُ ولأنجحنَّ ملوكهم إنجاحا
ولأمطرنَّ عليهمُ مني سها ماً تدعِ البلادَ من الدما أقداحا.
وإضافة إلى معارك ابن سليمان الحربية خاض العديد من المعارك الفكرية والمناظرات الشعرية، وكان من أهمها جدله الدائم وخلافه الفكري مع العلامة اليمني الشهير القيل "نشوان بن سعيد الحميري"، فقد جرت بينهما مناظرات كلامية، ومساجلات شعرية حيث كان علامة اليمن نشوان الحميري من المنكرين لحصر الولاية في البطنين وهو أول عالم مجتهد يفتي بعموم الأمة على مستوى العالم الإسلامي في عصره، ومن الرافضين لإمامة أحمد بن سليمان ومن قوله في ذلك:
عجائب الدهر أشتاتاً وأعجبها إمامةٌ نشأت في ابن خذيريف
ما أحمدُ بنُ سليمانٍ بمؤتمنٍ على البريةِ في خيطٍ من الصوفِ
فرد عليه الكاهن ابن سليمان بقوله:
نشوانُ شيعيٌ إذا ناظرتهُ وإذا كشفتَ قناعَهُ فيهوديْ
وكما رأينا فقد وظف الكاهن أحمد بن سليمان سلطته وما لديه من مواهب في الشعر والعلم لمحاربة اليمنيين واستعبادهم وإصدار العديد من الفتاوى التي امتهن من خلالها الإنسان اليمني، وسعى إلى احتقاره وحربه فهو القائل:
وما أعجزتني قريةٌ قد تمنَّعت ولو ذبَّ عنها خندقٌ وجحافلُ
ولكن أوطِّيها وأُهلكُ أهلَها وأرجعُ عنها والأعالي أسافلُ.
كان أحمد بن سليمان يستغل موسم الحج للتحريض ضد اليمنيين، ويجعل منها مناسبة للحشد العلوي من مكة إلى طبرستان؛ فدعا إلى تشكيل جيوش علوية تتوجه لليمن، وتقاتل تحت راية إمامته، وفي سبيل ذلك أخذ في مراسلة سلالة علي بن أبي طالب بمكة يحرضهم ضد اليمنيين، ويدعوهم لحربهم.
ومن قصائده الشهيرة حول ذلك ما قاله في استدعاء الطبريين والعلويين في الحجاز وشحذ هممهم:
فبلِّغ أيها الغادي سلامي إلى من حازهُ البلدُ الحرامُ
ومَن حلَّ الحجازَ ومن يليهِ ومن أنأى به عنِّي الشآمُ
بني حسنٍ معاً وبني حسينٍ هُمُ الرأس المقاعسُ والسلامُ
بني قوميْ وإخوانيْ وقوميْ كرامُ الخلْقِ إنْ ذُكرَ الكرامُ
وعمُّ المؤمنين منه جميعاً ومَنْ لهُمُ احتسابٌ والتزامُ
كقومٍ في خراسانَ اعتراهمْ لهذا الأمرِ حبٌ واهتمامُ
وقد نصروا أبي الهادي قديماً ووالوا من يوالي واستقاموا.
وكغيره من كهنة آل البيت الهاشميين ممن ادّعوا الإمامة في اليمن كان الكاهن أحمد بن سليمان ينظر إلى اليمنيين على أنهم أهل فساد وكفر، ولم يشذ عن السلالة في هذه الأساليب التي ابتدعها جده الكاهن الرّسي، فقال إنَّ أهل اليمن لمَّا دخلها الهادي كانوا مطبقين على الجَبْر والكفر، فاستعان ببعضهم على محاربة بعضهم الآخر كالرسميين والعشيين حتى جرى على يديه ما جرى، وكذلك الناصر فإنه كان يستعين بقبيلة على قبيلة، وكان أكثرهم يخالفون الدين، غير قائمين بما يجب عليهم، وعلى هذا النحو جرت حول الكهنة كغزاة ومحتلين.
ومن أبرز فتاوى الكاهن ابن سليمان وفكره أنه يقول بالتكفير بالإلزام، ومن اجتهاداته الباطلة تلك الفتوى التي أصدرها بتحريم زواج الفاطمية من غير الفاطمي، وقد عملت هذه الفتوى على ترسيخ العنصرية، وقسّمت المجتمع اليمني إلى فئات طبقية، تخدم التوجهات السلالية لديهم.
وفي الوقت نفسه أجاز الاستنصار بالمخالفين للشرائع والأحكام الدينية والتقاليد الاجتماعية والتعاون معهم واستخدامهم أدوات لتسهيل مهمته في قتل الشعب ونهبه واستعباده، وذلك من أجل بلوغ الهدف والغاية مهما كانت الوسيلة، واعتبر الكاهن ابن سليمان أنَّ من يعيب عليه الاستعانة بالفسقة والعصاة من أجل إقامة حكمه إنما يعني ذلك طعناً بالأنبياء والرسل وهي نفس السياسة التي يمشي عليها كهنة الحوثي في جعل سفلة المجتمع ولصوصه قيادات ومشرفين لمشروعهم الكهنوتي لضمان نشر أفكارهم الكهنوتية وتخادمهم المطلق.
وسعى الكاهن أحمد بن سليمان إلى إيغار صدور وعقول اليمنيين ضد من عرفوا بالمطرفية، وهم جماعة خالفوا المذهب الزيدي الجارودي حول قضية الإمامة، وأجازوا لكل يمني عاقل حر تتوفر فيه صفات الرجل السليم والقويم بين أهله أن يدعو لنفسه بالإمامة، مسقطين بذلك شرط البطنين لتولي منصب الإمامة كما هو مدوّن في المذهب الزيدي الهادوي.
واعتبر الكاهن أحمد بن سليمان فرقة المطرّفية فرقة مبتدعة خارجة عن الدين، وحرض القبائل اليمنية على محاربتها ورفض معتقدها.
ونقل عن الكاهن ابن سليمان أنه أثناء وصفه للمطرّفية بالنكوث على العهد والبدعة عارضه في ذلك رجل يدعى زياد بن غانم حاول إقناعه ومن اجتمع معه بأنَّ المطرّفية مسلمون أهل هجرة وعلم وتعليم، ولم يأتوا بخطأ، فغضب ابن سليمان عليه وألزمه السكوت، قائلا: "وما معرفتك بالمسلمين وأنت لا تدري ما الإسلام ومن أهله"، وهو ما يؤكد محاولة الاستفراد وهو ما يسير عليه الكهنة في كل الأمم في احتكارهم تفسير النصوص الدينية وإطلاق صفات الإيمان ونعوت الكفر على من يرغبون، والعجيب في هذه الحادثة ليس معارضة الكاهن ابن سليمان، ولكن ما أُشيع بعدها عن زياد بن غانم الذي أصابه المرض فشاع بين الناس أنَّ مرضه الذي تسبب في وفاته إنما كان بسبب معارضته للكاهن أحمد بن سليمان وإغضابه!!
وهنا تتجلى لنا الخرافة في أبشع صورها؛ إذ كيف تمكن هؤلاء من إيهام الناس بأنَّ مجرد المعارضة بالقول أو المخالفة بالرأي يعرّض قائله للهلاك! وعلى هذه الحالة يمكننا قياس مقدار التجهيل وحجم الظلم والكهانة التي مارسها كهنة آل البيت في حق اليمنيين.
كما انتهج ابن سليمان مبدأ التقيَّة في تسيير أمور دعوته حتى إذا ما تم له النصر والظفر أظهر العقوبة والحزم والشدة وكشف عن طبيعته الإجرامية، وغلب على معاونيه بقوة السيف والقهر والمغالبة، وهو حال كل كهنة الخرافة.
وكان ابن سليمان لا يتوانى عن إنزال أشد العقوبات على المخالفين له والثائرين ضد حكمه؛ فكان يعاقب بالجلد والحبس وخراب المنازل، وتمكن بسياسة العقاب القائمة على الدمار والقتل من إخضاع الناس كرهاً؛ فخضعت له صعدة ونجران، وجرت فيها أقلامه، ونفذت فيها أحكامه.
وخشية من شر عقابه، وتفادياً لبطشه كان سلاطين اليمن ممن خالطهم الخوف والذل قد كاتبوا الكاهن يستدعونه الدخول إلى مدنهم ومخالفيهم؛ اتقاءً منهم لشره، ودرءاً لحربه، ومن ذلك مكاتبة السلطان حاتم بن أحمد بن حاتم، والقاضي أحمد بن عبد السلام أبي يحيى يستنهضونه دخول صنعاء والقيام بها بأعمالها.
أما سلبه ونهبه أموال اليمنيين واغتصابه حقوقهم فيرى الكاهن ابن سلمان إنَّ له في ذلك وجهاً شرعياً؛ إذ يجيز للإمام استيفاء حقوق الله من زكاة ومظالم أكثر مما حددته النصوص الشرعية، وذلك بموجب الفرض والإلزام بتسليم الأموال طواعية وكرهاً؛ من أجل دعم دعوى الجهاد التي يترأسها كهنة الخرافة حتى يومنا هذا، مستدلاً لذلك بما فرضه جده الكاهن يحيى الرّسي على أهل صنعاء من أموال؛ حيث فرض عليهم تقديم الربع من أموالهم كي تعينه في محاربة القرامطة، وعليه يجوز للإمام أخذ تلك الحقوق برضى من عليه أو بكرهه. وكانت سياسة حيازة أموال الرعية والتضييق عليهم من قبل الكهنة من أبرز سمات سلطة الكهنوت التي أجازت مصادرة الأموال ونهبها دون وجه حق.
أما ما يخص إهلاك أموال المخالفين لهم، وهدم منازلهم، وحرق مزارعهم، ونهب أسواقهم؛ فيرى ابن سليمان أنَّ هلاك تلك الأموال أصلح لإظهار الشدة، والنكير على الظلمة، ولقلة التمكين من الاستيلاء عليها أو الانتفاع بها أو تركها على حالها فيقوى بها الأعداء، وبهذا المنطق تمكن كهنة السلالة الهاشمية، من التنظير لجرائمهم والتبرير لها مهما بلغت من العنف والقسوة والتدمير فقد كانوا يبررون ويشرعنون لأفعالهم الإجرامية تلك، ويرى ابن سليمان كذلك أنه يجوز للإمام أن يسطو على ديار المخالفين، ويعتبرها ديار حرب وديار كفر، واعتبر ذلك حكماً ظاهراً في الشريعة، وعلى الإمام أن يقبض على جميع أموالهم على وجه التضمين أي القياس، وله الحق في النظر حولها؛ إما بالاستفادة منها أو بهدمها وحرقها.
وهذه هي أبرز مظاهر الإرهاب المقدس عند سلالة الدجل والإرهاب في أوضح صورها، وهذا استغلال للشريعة وتطويع النصوص لخدمة أغراض الكهنة الدنيئة، أليس الذي يفعلونه هو أكل لأموال الناس بالباطل يصدق فيه قول الحق تعالى:(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (*) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) سورة النساء الآية: 160-161. وقوله تعالى:)يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) سورة التوبة الآية: 34. وقوله جل شأنه: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة البقرة الآية: 188.
وعمل ابن سليمان على استغلال الجهل بين اليمنيين الذي أورثه لهم جده الكاهن يحيى الرّسي، وسعى إلى نشره بينهم؛ فنجده يشيع الخرافة بين الناس، وينشر في أوساطهم أكاذيب وشائعات توهم بقدسيته؛ فنجده يدَّعي أنَّ له العديد من البركات لا بل والمعجزات؛ حتى شاع بين الناس أنه كان لا يحلّ بأرض مجدبة شحيحة الأمطار إلا ونزل بها المطر تبركاً لقدومه.
ومن هذه التُّرّهات ما نُسب إليه أنه كان يشفي المرضى بمجرد الدعاء أو المسح على موضع الألم بيده، ومنها أنه مسح على عين أعمى ودعا له فارتدّ بصيراً، ودعاؤه أيضاً لأصم كان قد فقد القدرة على السمع لسنوات، وبفضل دعائه ولمس أذنيه عاد له سمعه.
وهكذا وقع العامة ضحايا لخرافة الجهل والدجل والفقر يصارعون الفقر والإرهاب الكهنوتي، وكان الكاهن أحمد بن سليمان وجماعته لا يتورعون في وصف المخالفين لهم بأفظع الأوصاف واتهامهم بالفساد وارتكاب المعاصي، ومنها قولهم عمن وصفوهم بالباطنيين من قبائل يام ووادعة بأنهم ما تركوا منكراً إلا وفعلوه، ونسبوا إليهم - إفكاً وزوراً- أنهم جعلوا لهم ليلة تسمى ليلة الإفاضة يرتكبون فيها الفاحشة بالأخوات والأمهات والبنات، وقد ساعدت مثل هذه الإشاعات في إيغار صدور اليمنيين ضد هذه القبائل والمشاركة في حربها.
ولم تقتصر حروب ابن سليمان على القبائل اليمنية والسلاطين المعارضين له، فقد امتد هذا الصراع ليشمل البيت العلوي الهاشمي ذاته، فخاض كغيره العديد من الحروب مع كهنة بيت العياني وأثناء تلك الحروب تمكن أبناء العياني من أسر ابن سليمان الذي أُطلق بعد وساطة من السلطان علي بن حاتم اليامي وهو سلوك متبع في الحفاظ على الخصوم من الكهنة مقابل فجورهم في العقوبة لدى أتباعهم من اليمنيين.
قضى أحمد بن سليمان سنواته الأخيرة فاقدا البصر، وكانت وفاته سنة 566هـ، بعد أربعٍ وثلاثين سنة من الدجل والإجرام.

التعليقات 0:

تعليقك على المقال