الهاشميون.. وراثة الكَهَانة
منتدى معد كرب القومي
الإكليلة لمياء الكندي
كان الكاهن يحيى بن الحسين قبل وفاته قد أسس في اليمن قواعد الحكم الزيدية التي تشرِّع التوارث السُّلالي للسلطة، تحت مسمى الإمامة التي كانت حكراً على من سلالة البيت العلوي الفاطمي، وكان العلويون في اليمن يدركون أنَّ نهاية سلطتهم في اليمن وشيكة إذا لم يقوموا بتوريث الإمامة في أبناء الكاهن الهالك، ضماناً لاستمرار سلطتهم، فقاموا بمبايعة ابنه محمد الذي تلقب بالرِّضا، لكنه لم يكن محمد ذا ميول كبيرة للحكم، فقد حصر ولايته في صعدة ونجران وما حولهما، ولم يحاول التوسع وضم صنعاء إلى ولايته، بل عمل على تسريح القوى التابعة والموالية للسلالة من عهد والده، واستغنى عن المقاتلين الخارجيين من الطبريين الذين استجلبهم أبوه وعمه عبدالله بن يحيى، ولم يلبث أن أعلن اعتزاله الإمامة وغادر إلى الحجاز.
لم يَرُقْ لمن بقي في اليمن من البيت العلوي أن يظل كرسيُّ الإمامة شاغراً، أو أن تنتهي الإمامة باعتزال محمد يحيى الرسي، فاستدعوا أخاه أحمد الذي تلقب بالنَّاصر وشجَّعوه على تسلُّم منصب الكهانة العظمى للخرافة الفاطمية في اليمن بدعم من بقايا الأبناء الفرس، ومن حلَّ منهم في اليمن من علويي وهواشم السلالة ممن استقروا فيها، وتعهدوا له بالدعم والقتال إلى جانبه، والوقوف في وجه الخارجين والمعارضين له.
ما إن تولّى الكاهن أحمد بن يحيى الرسي منصب الإمامة سنة 301هـ، حتى بدأ بمراسلة الزيديين من أبناء عمومته في طبرستان والحجاز طالباً الدعم ومدَّه بالجنود لقتال اليمنيين وفرض حكمه وإمامته بالقوة، وهو النهج الذي سار عليه الكهنة إلى اليوم من الاستعانة بفارس وإيران نظرا لنزوعهم للهوية والقومية الفارسية!
قضى الكاهن أحمد بن يحيى طيلة فترة حكمه في حروب تثبيت أركان دولته التي لم تتجاوز حدودها صعدة ونجران، ودخل مع أحرار اليمن وقبائلها في حروب كثيرة لم يتمكن خلالها من ضمّ صنعاء عاصمة اليمن العريقة إلى سلطته الغاشمة، وكانت آخر حروبه مع حسان بن أسعد اليعفري، وهي الحرب التي انتهت بهزيمته، مما اضطره إلى الانكفاء في صعدة حتى مات فيها سنة 325هـ.
ولا صحة لما ادعاه بعض المؤرخين من وصول الكاهن أحمد إلى عدن ودخولها في ثمانين ألف من رجاله، إذ كيف له أن يصل إلى عدن ولم يتمكن من السيطرة على صنعاء، ولا على مناطق اليمن الأوسط، ولا تهامة وتعز؟ وكيف تمكن من دخول عدن بينما ما زال حكم أغلبية هذه المناطق بيد زعماء القبائل اليمنية وسلاطينها؟ حيث ظلت صنعاء تحت حكم آل يعفر من تاريخ خروج الكاهن يحيى الرّسي سنة 294 وحتى 344هـ، وهي السنة التي شهدت نهاية حكم آل يعفر.
بعد وفاة الكاهن أحمد بن يحيى بن الحسين الرّسي في 301هـ، خرج ابنه يحيى أول أحفاد الرّسي الذين تقلَّدوا منصب الإمامة وتلقَّب بالمنصور، وقد اختلف المنصور هذا مع أخويه الحسن والقاسم وتنازعوا جميعاً الإمامة، واشتعلت بينهم الحروب كل يدَّعي أحقيته في الحكم، ونتج عن تلك الحروب تدمير مدينة صعدة أكثر من مرَّة على يد أحفاد الرّسي، وهو ما يؤكد استحالة أن تستقيم أحوال اليمن أو تصلح شؤونها، طالما بقي فيها الكهنوت السلالي الهاشمي من أدعياء الحق الإلهي الذين شنوا الحروب ضد بعضهم وضد اليمنيين، لا لشيء سوى التنافس على الكهانة والنهب وادعاء الإمامة، وجعلوا من اليمن ميداناً لأطماعهم، ومجالاً لتحقيق غاياتهم في التسلط والتمييز والاستغلال الديني والمذهبي ونشر الحروب والفتن.
وقد شكَّلت الفترة من وفاة الكاهن أحمد من 325هـ وحتى سنة 403هـ؛ أي ما يقارب الثمانين عاماً من حكم آل الرّسي تدشيناً للصراع والحروب بين أحفاد الرّسي كهنة الإمامة العلوية الهاشمية الفاطمية، وبين اليمنيين الذين أصبحوا وقوداً للحروب الرّسية التي ذهب ضحيتها مئات آلاف اليمنيين الذين حولتهم خرافة السلالة والولاية حطباً لهذه الدعوة الجهنمية التي جعلت اليمن وأهله تحت حكم هؤلاء السلاليين.. حتى قُدِّر لليمنيين في فجر السادس والعشرين من سبتمبر 1961م القضاء عليها بثورة تحررية شعبية وعسكرية أسقطت حكم الكهنوت وإلى الأبد. ( ).
التعليقات 0:
تعليقك على المقال