تفاصيل الخبر

القومية اليمنية .. انتصار للقيم الحضارية للمجتمع اليمني

القومية اليمنية .. انتصار للقيم الحضارية للمجتمع اليمني

أخبار وتقارير / 2024-03-09 07:10:43 / منتدى معد كرب القومي - عبد الرحمن طه

يجمع علماء الاجتماع على ان للبيئة اثر بارز في بلورة القيم السائدة في المجتمعات وتحديد اتجاهاتها .. خصوصا إذا كانت هذه البيئات تتصف بصفات واضحة ومحددة .. فينشأ منها مجتمعات متجانسة تصنف في علم الاجتماع إلى مجتمعات بدائية ومجتمعات حضرية .. ومجتمعات صحراوية ومجتمعات زراعية .. وغيرها

 

لذلك كان المجتمع اليمني مجتمع زراعي وصناعي وتجاري متجانس استطاع بالقيم الحضارية التي تكونت في بيئتهم الجبلية والوديان السهلية على انشاء المستوطنات البشرية من الالف السادسة قبل الميلاد وإنشاء هجر (المدن باللغة اليمنية) وتكوين المجتمعات الحضرية والدول المنظمة فكانت ابرز القيم التي شكلت المجتمع اليمني :-

 

1- قدسية العمل والإنتاج : أجبرت البيئة اليمنية القاسية اليمنيين على بذل الجهد والعمل الشاق لتطويعها وتسهيلها لتكون بيئة صالحة لعيشهم .. فكان للعمل في المجتمع اليمني ضرورة حياتية وقدسية وفرض واجب لا يتهاون عنه احد وكان النظر للعمل في المجتمع اليمني كقيمة نبيلة عليا .. وكان الابداع والإنتاج والتمييز هو السبيل الوحيد لحيازة المال والرفاه الاجتماعي وحيازة مكانة مرموقة في المجتمع في ضل منافسة خلاقة داخل المجتمع نفسه .. خاصة بعد نشوء (الهجر) المدن المنظمة والكبيرة التي تقسمت إلى قطاعات صناعية وحرفية محددة .. فكان كل فرد أو اسرة تتخصص في نوع معين من العمل وابدع به بسبب تراكم الخبرات المهنية داخل الاسرة الواحدة أو داخل النقابة العمالية المتخصصة أدى فيما بعد إلى حيازة المهنة لمكانة مميزة في التقسيم المهني والترتيب الطبقي أوصلهم إلى تقديم ممثلهم في مجلس الحكم الذي يدير المدينة والمجتمع .. وهذا راجع إلى دقة التخصص المهني وكثرة عدد السكان في المجتمع الحضري المستقر .. وهو ما اظهرت الاثار والنقوش اليمنية وما تركوه من مآثر في الجبال والوديان والمدن القديمة والاثار .

 

2- النظام والقانون : القانون سمة مميزة للمجتمعات الحضارية ونحن نعرف ان القوانين كانت السمة البارزة في الحضارات اليمنية القديمة وقد شملت كل جوانب حياة الفرد والمجتمع ونظمت كافة العلاقات الاجتماعية والتجارية فيما بينهم .. إلى جانب التعاليم الدينية المرنة والموافقة لمصالح المجتمع .. فكانت محمية بقوة الدولة ومنفذة بوعي فردي ومجتمعي بضرورة الالتزام بالقوانين كونها وسيلة أساسية لحماية الحقوق ولتنظيم علاقات افراد المجتمع اليمني وحياتهم الاقتصادية والاجتماعية التي تحسم فيها كل أمور الفرد والجماعة وتضمن المساواة بين الجنسين وبين فئات المجتمع بمقاييس ذلك العصر .

 

3- التعاون : كانت الحاجة ملحة لوجود مشاريع عامة تخدم المجتمع الحضري في اليمن ، خاصة مع اتساع حجم المجتمع وكبره ، فنشأت الحاجة لتضافر الجهود الجماعية في المجتمع الواحد لانجاز الاعمال والمشاريع للمصلحة العامة .. فوجدنا في النقوش كافة اشكال التعاون في المجتمع اليمني من المشاركة في بناء السدود والسواقي وبناء اسوار الحماية وبناء المحافد والقصور والمنشات العامة و(الرفد) في الكوارث والمناسبات الخاصة ومنها ان يتحمل الموسرين تكاليف اعمال تخدم المجتمع الزراعي بكله مثل تقديم عدد من الاثوار (المضمد) لفلاحة كل اراضي القرية وغيرها من اشكال التعاون والتعاضد والتراحم المنظم بالقانون والعرف أو الذاتية عبر شخصيات في المجتمع ، فكان الوعي والمدنية في المجتمع اليمني سبباً في اتساع نطاق التفاعل بالنسبة للفرد والجماعة وسببا في نهضة اقتصادية وزراعية حققت لهم الرفاه الاجتماعي ، فميزة التفاعل الاختياري في المجتمع الحضري فرضتها المصالح المشتركة التي لا يعتمد أصحابها على أساس القرابة أو النشأة .. وإنَّما على المنفعة الشخصية والعامة .

 

4- التعايش المشترك: كان لطبيعة التنوع في المجتمع الحضري جانب مهم في تقبل الثقافات والاختلافات في الاديان والمعتقدات .. ومما خلفته لنا الاثار نكتشف مقدار التعايش الذي كان سائد في المجتمع اليمني القديم مع وجود عشرات الالهة المحلية ومعابدها الخاصة والمعابد العامة والإله القومي الموحد لكل اليمنيين الجنوبيين (عثتر) فلم نجد في تاريخنا الحضاري ان قامت حروب على اساس عقائدي دبني .. فكانت اغلب الحروب على السلطة ونفوذ الممالك ورد العدوان الخارجي .. فكانت هذه السمة المميزة في الشخصية اليمنية الحضارية إضافة إلى التغيير والاحتكاك الثقافي مع الاخرين .. كان دافع لديهم لاختبار الافكار الجديدة وتقبلها أو رفضها .. وهو ما يفسر انتقال اليمنيين من الديانة القديمة إلى الديانة السماوية الرحمانية ومن بعدها ايمانهم باليهودية ثم المسيحية وأتباع الاسلام في بادئ الامر دون قتال .. وهذا من السمات المميزة للمجتمعات الحضرية حتى اليوم كونها مجتمعات منفتحة على الثقافات الاخرى تهمل السلوك الخاص طالما لا يتعارض مع السلوك العام ولا تتقيد بعادات صارمة وتقاليد لا عقلانية جامدة يتوارثها الاجيال ولا يعوا الحكمة منها ، فكان من السهل جداً أنْ يستطيع أحد الأفراد تغيير معتقداته وهو يعيش في اليمني القديم .. بينما قد يفقد حياته في المجتمعات البدوية ولو كان من اقرب الاقرباء لهم كما حدث في بداية الدعوى للإسلام في مكة.

 

 

 

القيم العربية البدوية : البداوة هي نقيض للمدنية والحضارة حسب تصنيف علماء الاجتماع ، وهذا التصنيف لم يقتصر على العلماء ونظرة المجتمعات الحضرية للبداوة ، فقد تسلل ايضا إلى المجتمعات العربية الصحراوية ايضا خاصة بعد استقرار بعض منها في قرى سكنية في حدود القرن الرابع الميلاد فظهر مصطلح (العرب والأعراب) للتفريق بين من ضل على الترحال من العرب وبين من استقر منهم نسبيا في قرى بسيطة .

 

كانت القيم في المجتمع العربي البدوي (الصحراوي) اكثر وضوحا من القيم الحضرية كونها انعكاس ظاهر لبيئة الصحراء الشحيحة والقاسية والجافة وطبيعة الحياة المعتمدة على الترحال والتنقل المستمر بحثا عن الماء والمرعى فكان ميلهم الدائم إلى حيازة (ما خف وزنه وغلى ثمنه) لسهولة نقله معهم في ترحالهم .. فكان السيف والرمح هي الصنعة التي يتقنها العربي وهي مصدر عيشه الوحيد إلى جانب ما يمتلكه من انعام ، ومن هذه العناصر تكونت قيمهم المعيشية والتي نوجز ابرزها : 

 

1- السيف وسيلة للحياة: تقوم حياة البداوة على التنقل الدائم وبالتالي عدم الارتباط بالأرض والسكن الثابت، وكنتيجة للتنقل تكون الأدوات المستخدمة في حل مشكلات الحياة اليومية قليلة وخفيفة الوزن .. فكان السيف الرفيق الدائم للعربي كونه خفيف الوزن وسهل النقل .. فكان مصدر رزقه الوحيد في بيئة الصحراء القاسية والمجدبة .. فكان العرب يكسبون رزقهم بضربات سيوفهم وطعنات رماحهم اما من غزوا بعضهم بعض أو من السلب والنهب والتقطع في طرقات للقوافل التجارية والمسافرين أو في العمل كمرتزقة في جيوش الامبراطوريات المجاورة كما عملوا في جيوش المملكة السبئة (اعراب سبأ) والحميرية (اعرابهمو) والحضرمية في اليمن .. حتى اصبح حامل السيف المقاتل هو المثل الاعلى في المجتمع البدوي وصاحب المكانة المرموقة في القبيلة سواء كان سيفه في الخير أو الشر .. يذكر احد الكتاب "كانت تقاليد الغزو تعتبر ضمن ممارسة الصيد عند القبائل العربية" .. فكانت هذه الحالة الفوضوية في المجتمع العربي افراز طبيعي لغياب القانون أو سلطة عليا عند العرب .ومع ان الدولة الحميرية في القرن الثالث والرابع الميلادي وبعد تضررها من هجماتهم المستمرة على قوافلها ورعاياها .. ارسلت لهم العديد من الحملات العسكرية لتأديبهم وفرض القيم المدنية عليهم كالاستقرار والعمل المهني كما اشارت نقوش المسند إلى ذلك .. فنظر بعض العرب إلى هذه الخطوات التمدينة من الدولة الحميرية بأنه اذلال للعرب ومنها قال شاعرهم .. "غداة شفيت النفس من ذل حمير .. وأورثتها ذل بصدق طعاني"

 

2- العصبية : نتيجة للحالة المتوحشة التي كان يعيشها العرب واستحالة الحياة الفردية في هذه البيئة ، ظهرت الحاجة الشديد لرابطة الدم والقبيلة التي تلزم افراد القبيلة على التماسك الشديد للحماية في مواجهة الاخرين من العرب ، ومن هذه الحاجة نتج الاهتمام بالأنساب وحفظها والتفاخر بها ومن العصبية نتجت القاعدة العربية الشهيرة (انصر اخاك ظالما او مظلوما) ونتج منها الثأر الذي تتوارثه الاجيال ويتحمل وزره الاهل والأقارب .. فغدت القبيلة هي كل العالم بالنسبة للعربي وأصبح كل ما ينتمي للقبيلة مقدس فدماء ابنائها وأموالهم وكرامتهم وحمى القبيلة وحتى حيواناتها في مرتبة التقديس .. وعلى ضوء ذلك حدث بما يسمى (ايام العرب) وهي الحروب التي قامت لأتفه الاسباب واستمرت عشرات السنين مثل حرب البسوس الذي استمرت 40 عاما ثارا على ناقة ، او حرب داحس والغبراء والتي اشتعلت بسبب هزيمة رياضية أو حرب الفجار الشهيرة التي اشتعلت نتيجة المطالبة بدين .. وغيرها من الحروب بين العرب .. الغزوات والغزوات المضادة حتى ظهور الاسلام .

 

3- سلطة الفرد الواحد الاوحد : تتميز البداوة بنظام ثابت من الأعراف والتقاليد الجامدة ، التي تهتم تماما بتثبيت النظام التراتبي داخل القبيلة العربية ، فكانت سلطة الشيخ سلطة مطلقة داخل حدود القبيلة وعلى افرادها .. ولا تقبل النقاش والجدال حتى وان كانت خاطئة ومهلكة وكثير من قرارات الشيوخ القبائل تسببت بفناء قبائلهم أو تشتتها وتمزقها ، بعكس المجتمع المدني الذي اوكل ادارة شئونه لمجلس تمثيلي يدير شئون المجتمع ويقرر قوانينه الاجتماعية والاقتصادية . 

 

كل هذه القيم (العربية البدوية) وغيرها الكثير ضلت محصورة في بيئتها الصحراوية وإذا ما خرجت من بيئتها تذوب ضمن المجتمعات الجديدة وتتحلل تحت تأثير الاكثرية في المجتمعات الحضرية .. كما حدث لأعراب سبأ الذين نزلوا حدود الجغرافيا اليمنية وحول الهجر اليمنية الداخلية وذابوا في المجتمع اليمني والبعض منهم اعتنق المعتقدات الجنوبية وقدموا قرابين للآلهة اليمنية وكتبوها باللغة اليمنية والمسند اليمني ، كما جاء في النقوش التي خلفوها بعدهم حتى ظهر الاسلام في مكة .

 

كان لظهور الإسلام اثر كبير في حياة العرب واغلب الحضارات القديمة ومنها الحضارة الجنوبية التي كانت تعاني تبعات انهيار الدولة المركزية ومن صراعات داخلية وتدخلات خارجية .. فكان للإسلام عظيم الاثر خاصة في حياة العرب الدينية والاجتماعية والسياسية والفكرية بعد ان وحدهم في كيان سياسي واحد ، ووحد سيوفهم في الغزوات الاسلامية فأصبحوا مع من آمنوا بالإسلام من الشعوب المجاورة لهم قوة تهدم وتهز اعتى الامبراطوريات في ذلك العصر .. فكان للعرب السبق في الايمان والقيادة بعد وفات الرسول (ص) .. وبالرغم ان الاسلام حاول هدم كثير من القيم البدوية مثل العصبية للقبيلة والتفاخر بالأنساب ورابطة المجتمع البدوي القائمة على الدم والنسب وبناء مجتمع حضاري إلا ان العرب عادوا إليها بعد وفاة النبي ولازالت قائمة حتى اليوم .  

 

ومع ان العرب احتكوا بالشعوب المدنية التي دخلت الاسلام وانتقلت للعيش بين العرب والشعوب التي غزتها جيوشهم .. إلا انهم لم يتأثروا بالقيم الحضارية التي كانت سائد في تلك المجتمعات بل انهم اثروا بقيمهم البدوية عليها .. واجبروهم على اتخاذها كنظام حياة في تلك المجتمعات ومنها اليمن التي احدث دخول العرب إليها كحاكمين اثر كبير في قيمهم وحياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية وابرز ما حدث بعد ذلك في اليمن :

 

1- اصبح العمل بالسيف هي القيمة النبيلة في المجتمع اليمني بعد أن كان (العمل) قيمة نبيلة ، فهجر اليمنيين ورشهم وأعمالهم الحرفية والزراعية واتجهوا لتشريف اسرهم في الوضع الجديد بحمل السيوف والالتحاق بالجيوش العربية الاسلامية حتى غدوا يشكلون غالبية عناصر الجيوش الاسلامية بقيادة امراء قريش.

 

2- ظهر في المجتمع اليمني نظرة عروبية بتحقير المشتغلين بالمهن الحرفية والأعمال اليدوية ادت إلى انهيار الصناعات الحرفية والإنتاج الزراعي ودمرت الاقتصاد القديم وانحسر انتاج السلع التي كانت تشتهر بإنتاجها اليمن مثل الاقمشة والجلديات والأسلحة ومعدات الزراعة والمنتجات الزراعية .

 

3- تم بأوامر من المدينة افراغ اليمن من مراكز القوى القديمة (الاقيال) وإلحاقهم وقبائلهم جبرا بالجيش الاسلامي حتى لا تكرر دعوات الاستقلال الوطني كما حدث في ثورة الملك عبهلة بن كعب .

 

4- التحول من مفهوم الشعوب القائمة على تحالفات المصالح المشتركة إلى قبائل متناحرة يقودها شيخ (حاكم مطلق) وظهر التعصب القبلي والثأر واحتقار المرأة وهضمها واكل حقوقها تأسيا بالعرب وعاداتهم وقيمهم .. بعدما كانت المرأة في اليمن الحضاري شريك حقيقي في المجتمع وتحوز اغلب المناصب السياسية والدينية .

 

5- تحول اليمن من دولة مركزية لأقاليم متجانسة الهوية واللغة والخط والثقافة إلى مجرد اقليم تابع لإدارة وسلطة مركزية في المدينة ودمشق وبغداد .. يدار بالحكام المرسلين من المركز لجباية اموال الزكاة والضرائب التي كانت تساق احمالا إلى عاصمة الدولة .. ومخزون للمقاتلين في الجيوش الاموية والعباسية .

 

ومع هذا التحول في تاريخ العرب بعد ان عاشوا في هامش التاريخ لقرون وتحولوا اليوم إلى فاعلين رئيسين في التاريخ .. والانهيار في المجتمع الجنوبي (اليمني) استمر انتشار القيم البدوية في الحياة اليمنية وتعززت بواسطة الحكام العرب ونواب السلطة في الاقاليم الذين تناوبوا على حكم اليمن في عهد الخلفاء والدولة الاموية والعباسية بعد ان تركز اقتصاد الدولة الاموية وما بعدها على فلسفة القبيلة البدوية القائم على الغزوا والغنائم والجزية التي دفعتها الشعوب للمحافظة على دينها وكذا الزكاة التي كانت تجمع من اقاليم إلى المركز ويختص بها امراء قريش وعليها حدثت الفتنة في عهد خليفة المسلمين عثمان ابن عفان وقتل بسببها .. ومن تلك الاموال كانت تبنى اعظم القصور الاسطورية لأمراء قريش ولنوابهم من القبائل العربية .. ومن تلك الاموال كانت تمول الجيوش الاموية والعباسية لتوسيع رقعة الحكم بدعوى نشر الاسلام بينما ملوك بني امية وبني العباس بما اشتهروا به من فسق ومجون ابعد ما يكونوا عن الدين والإسلام .. ومن تلك الاموال كان (الحاكم المطلق) الذي تحول من مسمى "شيخ القبيلة" إلى "امير المؤمنين" كان يفتح خزائن الغنائم والزكاة والجزية التي تجمع من كل اقاليم الدولة ويجزل العطايا لشاعر عربي قال فيه بيتا من الشعر يصفه كذبا بما ليس فيه .. بينما لم نجد في كل تاريخهم انهم اخرجوا من تلك الخزائن مبلغ من المال لبناء سد أو ساقية ينتفع به المسلمين في بلاد اليمن الزراعية أو لتعبيد طريق تسهل مشقة السفر في جبالها الوعرة .    

 

وخلال هذه الفترة بدأ عصر التدوين بعد استعارة العرب للخط النبطي في كتابة لغتهم (العربية) ونتيجة لاختلاط العرب بالمسلمين من الشعوب الحضارية ومعرفة تاريخهم ظهرت الحاجة لكتابة تاريخ تفاخر به العرب امام هذه الشعوب .. وظهر عند المؤرخين العرب الاصولية والحنين لأيام العرب الغابرة فدونوا تاريخ القبائل العربية التي لم يكن يتجاوز عدد افرادها اصابع اليد الواحدة ودونوا غزواتها وحروبها وأنسابها ورموزها بقصص واقعية وقصص مزيفة ومختلقة حتى اصبح تاريخ العرب وقبائلهم وقيم البداوة وشعرائهم هو التاريخ لجميع الشعوب العربية وغير العربية وأصبحنا نحفظه اكثر من تاريخنا الحضاري الوطني ونعيش لحظاته التاريخية اكثر مما نعيش حاضرنا اليوم.   

 

وخلال تلك الفترة نكبت اليمن ايضا بأسر عربية قرشية (الهادي الرسي والمهاجر وغيرهم) تنازعوا على السلطة وخزائن الاموال مع ابناء عمومتهم الامويين والعباسين وهربوا والتجئوا إلى اليمن وعاثوا فيها فسادا وتجهيل وتدمير بمزعوم قدسية النسب الهاشمي القرشي ... يحتاج تاريخهم إلى مجلد وليس إلى تاريخ مختصر في حلقة 

 

ولازلنا حتى اليوم نعيش كثيرا من العادات البدوية ضمن ما نعتقده (مجتمع مدني حديث) فالثأر والعصبية للدم والقبيلة واحتقار المرأة وهضم حقوقها وسلطة الشيخ القبلية والدينية وهيمنتهم على مراكز القرار في الدولة .. وكذا الثأر ومكرمات الحكام وكذلك التقسيم والتراتيبية في المجتمع ليست إلا تعبيرا عن العادات العربية البدوية .. و يعتقد البعض إننا نعيش عادات مجتمعاتنا المحلية المستقاة من تاريخنا الحضاري .. ولكن ما نراه حقيقة هي القيم الصحراوية البدائية التي ظلت تمارس منذ سقوط الدولة والهوية الوطنية وحتى اليوم .

التعليقات 0:

تعليقك على الخبر