جدل الهوية اليمنية بين التاريخ والحاضر
أخبار وتقارير / 2024-01-10 08:39:38 / منتدى معد كرب القومي - محمد عطبوشالترند اليمني هذه اليومين يحاكم الفنان فؤاد عبدالواحد المتجنس بحريني بعدما قال أنه "من أصول يمنية". موقف مفهوم ولكنه مناسبة نناقش فيها هويتنا الوطنية المتذبذبة. من هو اليمني؟
هذا السؤال لا يؤرق الساسة وحدهم، بل حتى المؤرخين القدامى والباحثين الجدد مثل بيتر ويب (أستاذ اللغة العربية بجامعة لايدن). بيتر له دراسة بعنوان "الهويّة اليَمانيّة خِلالَ العصرِ العباسيّ في العِراق" وترجمتي لها تصدر هذا العام عن دار نشر عراقية. يبدو أن الهوية اليمنية نفسها لم تتكون في اليمن، بل في العراق!
كانت دراسات بيتر السابقة عن الهوية العربية الكبرى متى وأين ظهرت، وانتقل منها إلى سؤال في معنى أن تكون "يمنياً"، ذلك المعنى لا نجده بوضوح إلا في شعر العصر العباسي في العراق، وهي فترة متأخرة عمّا نتوقعه أو يظنه أغلبنا: أسطورة أصل العرب!
يتفحص بيتر ويب تغيّر الهوية اليمانية بوصفها "ذاكرة تاريخية" تولد وتعيش في الماضي، هوية متشكلة على أثر رجعي ولم يعاصرها أحد. يقول:
"لقد تنقّلتِ الهوية اليمانية عبر دوّامة من المعاني الممكنة التي تراكمت عبر الزمن. فاليمن هو دولة قومية حديثة، وهو تقسيم في أنساب العرب، وهو جهة جغرافية، واليمن كان فصيلاً سياسياً أول الخلافة، وفي العصر العباسي أصبحت اليمن هوية تتبناها مجتمعات متباينة عاشت بين آسيا الوسطى والمحيط الأطلسي. حتى صار بالإمكان لرجلَين اثنين أن يطلقا على نفسيهما صفة "يمني" ويقصدان بذلك انتمائهما إلى مجتمعين مختلفين للغاية، حسب معنى كلمة "يَمَن" عند كل منهما. إنها لمفارقة ساخرة".
نظرية بيتر ويب تفسر جهود روّاد الهوية اليمنية مثل الهَمْداني على سرد تاريخهم بأنفسهم، ولكن بسبب افتقارهم للسلطة السياسية، توجهوا نحو النقوش الأثرية، تماما كما يفعل حراك "الأقيال" اليوم وما أشبه اليوم بالأمس.
بحسب دراسة فرنسية (يترجمها الصديق التونسي المنصف عبدالجليل وأراجعها معه) أن الهمداني كان يجيد قراءة نقوش المسند ولو بشكل متعثر، وأورد في كتاب "الإكليل" عبارة كاملة يزعم أنه قرأها بنفسه وترجمها، وأثبتت الأيام صدق الهمداني فهناك نسخة من النقش مكتشفة في نفس المنطقة ويحمل الرمز (ir 4)، ولكن ترجمة الهمداني غير دقيقة. النقش الآن موثق باسم CIH 305 ومصدره ليس بعثة تنقيب، بل الهمداني!
مسألة الهوية اليمنية حالة فريدة اختلط فيها اللغوي بالتاريخي بالسياسي، وهي مشكلة منذ فترة مبكرة (القرن الثالث الهجري)، وزادت القضية تعقيداً مع التقسيمات الحديثة، وفي كل مرة كانت العودة إلى النقوش بدافع سياسي وطني، كان بطلها الهمداني واليوم يكررها جيل من الشباب، أعتز أنني منهم.
التعليقات 0:
تعليقك على الخبر