تفاصيل المقال

الاحتلال الهاشمي في اليمن أشد خطورة من الاحتلال الإسرائيلييي لفلسطين

الاحتلال الهاشمي في اليمن أشد خطورة من الاحتلال الإسرائيلييي لفلسطين

فتحي أبو النصر

فتحي أبو النصر

 

دعونا نقارن بين الاحتلال الهاشمي لليمن والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ستبرز نقاطاً معقدة تتعلق بنوع الاحتلال وتأثيره. صحيح أن الاحتلال الإسرائيلي يمارس العنف المباشر ضد الفلسطينيين ويحتل أراضيهم بشكل صارخ، لكن الاحتلال الهاشمي يتجاوز تلك الحدود ليغزو العقول والقلوب، مستخدما الدين كأداة للسيطرة. إنه احتلال من نوع مختلف، غارق في عمق التاريخ ومختلف تداعياته، مما يجعله أشد وطأة في بعض الأحيان من الاحتلال العسكري المباشر.

إنّ الحديث عن الاحتلال الهاشمي لأرض اليمن مقارنة بالاحتلال الإسرااااائييلي لأرض فلسطين، ليس مجرد مجاز لغوي، بل هو واقع تاريخي مركب يعكس استبدادا دام عقودا وامتداده يُرهق المجتمع اليمني حتى اليوم. 

 يُمثل الحكم الهاشمي في اليمن، الذي أسس جذوره في قرون مضت، نموذجاً للاحتلال الذي مزج بين السيطرة السياسية والدينية ليخلق نظاما قمعيا أفقد البلاد حرية القرار وأدى إلى تفكيك النسيج الاجتماعي لليمن.ونهب مقدرات الشعب اليمني.

لذلك نؤكد أن الاحتلال الهاشمي لليمن، على عكس الاحتلال الإسراااائيلييي الذي ظهر في القرن العشرين، يضرب بجذوره في عصور بعيدة. لقد استخدم الأئمة الهاشميون، الذين حكموا اليمن لعقود طويلة، المذهب الزيدي كغطاء ديني لتعزيز شرعيتهم. وعلى الرغم من أن الزيدية تمثل جزءا من التراث الديني لليمن، فإن هؤلاء الأئمة استغلوا هذه الفكرة لتحويل الحكم إلى نظام استبدادي يقدّم الحاكم الهاشمي على أنه ممثلٌ وحيدٌ للحق الإلهي. وفي هذا السياق، يمكن القول إن الحكم الهاشمي تجاوز كونه مجرد احتلال سياسي ليصبح نوعا من الاستعباد الروحي والثقافي الذي فرّق بين اليمنيين أنفسهم وأوجد فجوات لا تزال عميقة في جسد المجتمع اليمني.

من ناحية أخرى، فإن الاحتلال الإسراااائيلييي لفلسطين هو أيضا نموذج للاستعمار السياسي الذي يعتمد على الطرد الجسدي للفلسطينيين من أراضيهم، واحتلالها بالقوة العسكرية. ومع أنّ جرائم إسراااائيبيل ضد الفلسطينيين مُدانة عالمياً، فإنها واضحة وظاهرة في احتلال الأرض وسلب الحقوق. بينما يشكل الاحتلال الهاشمي لليمن، نوعا من الاستغلال الخفي الذي يتخذ الدين أداة لتمرير أجندة سياسية تقوض القيم الاجتماعية والهوية الوطنية لليمنيين. هذه الفوارق بين الاحتلالين تبرز أن الاحتلاااال الهااااشمي في اليمن أشد خطورة من الاحتلال الإسراااائيييلي لفلسطين، كونه اعتمد على الهيمنة الناعمة والتسلل إلى عقول الناس ووجدانهم لتثبيت سلطته، بدلا من مواجهة عسكرية أو دبلوماسية واضحة.

ويجب الإشارة إلى أن الاحتلال الهاشمي لم يكن مجرد نظام سياسي، بل هو سلسلة من الأحداث والقرارات التي قادت اليمنيين إلى طريق مسدود من الصراعات الداخلية. تمكّن الأئمة الهاشميون من تقسيم المجتمع إلى فئات تستند إلى الانتماء القبلي والديني، مما ساهم في نشر ثقافة التفرقة الطبقية. هذه الممارسات الهاشمية لم تقتصر على التحكّم بالموارد الاقتصادية والقرارات السياسية، بل امتدت إلى التحكم بالأفكار، حيث تمّ طمس الهوية اليمنية الوطنية لصالح تعزيز الولاء للسلالة الحاكمة.

ما يجعل الاحتلال الهاشمي أكثر تعقيدا وخبثا من الاحتلال الإسراااائيييبلي هو أنّ الأخير واضح المعالم، فإسراااائييل تعلن عن نفسها دولة محتلة، بينما كان الهاشميون يمررون سياساتهم من خلال إطار ديني وثقافي يدعي الشرعية الإلهية. هذا يذكرنا بأن الاحتلال الحقيقي ليس فقط احتلال الأرض، بل أيضاً احتلال الأفكار والعقول. بينما الفلسطينيون يتعرضون لمحو الهوية القومية بفعل الاحتلال الإسرائيلي، فإن اليمنيين خسروا هويتهم الوطنية عبر مئات السنين من حكم الأئمة الهاشميين الذين عمدوا إلى تقديم أنفسهم كحماة للدين والتراث.

يكفي أن فلسطين خالية من الأمية بينما أعلى نسبة تخلف وأمية في الوطن العربي هي في اليمن.

وتظلّ تأثيرات هذا الاحتلال الهاشمي فادحة في اليمن حتى اليوم.. من جاؤوا كلاجئيين إلى اليمن من بطش الأمويين والعباسيين " أبناء عمومتهم" صاروا يبطشون بكل يمني يرفض بطشهم على الشعب اليمني الذي تعامل معهم باحترام وياللمفارقة.

فعلى الرغم من سقوط حكم الإمامة رسمياً مع قيام ثورة 1962، فإنّ آثار الحكم الهاشمي لم تختفي تماما، بل تعود للظهور في النزاعات الحالية وما فكرة الولاية إلا مطلع العودة إلى الجشع الهاشمي المعروف تاريخيا، وخاصة مع ظهور الحركة الحوتتتية التي تمثل امتدادا للحكم الهاشمي القديم. الحوتتتيون اليوم يستخدمون نفس الخطاب الديني الذي استخدمه أجدادهم لتبرير حروبهم وصراعاتهم، معتبرين أنفسهم الورثة الشرعيين لليمن. هذا يعيد إلى الذاكرة فكرة الاحتلال الروحي والفكري الذي يبقى حتى بعد زوال الحكم السياسي.

 

من جهة ثانية، يمكن النظر إلى الاحتلال الإسرااائيلييي على أنّه احتلال للأرض والموارد، لكنّه لم يصل إلى هذا المستوى من التأثير الثقافي والديني العميق الذي شهدته اليمن تحت الاحتلال الهااااشششمي. هذا الفرق الجوهري يعزز فكرة أنّ الاحتلال الهااااشمي كان أكثر خطورة، إذ لم يتوقف عند السيطرة على الأرض بل ذهب إلى أبعد من ذلك ليمسخ هوية اليمنيين ويحاول طمس تاريخهم وتراثهم لصالح تحقيق مصالحه الخاصة.

التعليقات 0:

تعليقك على المقال