تفاصيل المقال

اليمنيون وأطول معركة تاريخية: يعيشون جوعى.. يموتون غرباء

اليمنيون وأطول معركة تاريخية: يعيشون جوعى.. يموتون غرباء

ثابت الأحمدي

ثابت الأحمدي

 

أطول قصة نضال في تاريخ الإنسانية قاطبة هي نضال اليمنيين، والسبب الإمامة.

أكبر شلال دم عبر التاريخ نزف وينزف هو دماء اليمنيين، والسبب الإمامة.

أغزر دموع حزن نزفت من مآقيها الحزينة هي دموع اليمنيات والسبب الإمامة.

أوسع تشرد في التاريخ هو تشرد اليمنيين، والسبب الإمامة.

أسوأ مظلمة إنسانية في التاريخ هي مظلمة اليمنيين، والسبب الإمامة.

ومن المقدمة إلى التفاصيل..

 

ــ تناضلُ الشعوبُ والجماعاتُ عادة لعام.. لعامين.. لعقدٍ.. لعقدين.. لقرنٍ، لقرنين من الزمن، ثم تحسم أمرها وينتهي الظلمة، ليعم السلم ويبدأ الرخاء؛ عدا اليمنيين فإنّ نضالهم وجع ممتد منذ أكثر من ألف عام، واصلوا فيها الأنين بالأنين والحنين بالحنين والدم بالدم، ولا يزالون..!

لم تخلُ سنة واحدة على الإطلاق من كوارث الحروب ومآسي الاقتتال منذ دخل المجرم السفاح يحيى حسين الرسي أرضَ اليمن وإلى اليوم. من معركة إلى معركة، ومن حرب إلى حرب، ومن فتنة إلى فتنة.

 

ــ منذ العام 284هـ، حتى اليوم وشلال الدم سيالٌ لم يتوقف.

منذ ذلك الحين وأرواح اليمنيين تزهقُ على الآكام والتلال وبين الصحارى والوديان؛ إما مدافعين عن عدالة قضيتهم الإنسانية، أو مغرر بهم في حشود أبناء وأحفاد الرسي..!

ولعمري.. لو قدر لتلك الدماء أن تتجمع في مكان واحد منذ ذلك الحين وحتى اليوم لكان بحرًا إلى جانب البحر الأحمر. ولو قدر لتلك الجماجم أن تتكوّمَ لكانت جبلا يفوق جبل شعيب بصنعاء..!!

يفاخرُ إخواننا الجزائريون بكونهم "بلد المليون شهيد" تجاه الاحتلال الفرنسي، وما دروا أنّ بلدًا عربيًا في جنوب الجزيرة العربية هو اليمن بلد المئة مليون شهيد منذ ما يزيد عن ألف عام.

 

ــ منذ جاء الرسي ودمع اليمنيّات سيالٌ منهمر كالسيل لفقدان: الابن، الأخ، الزوج، الأب، القريب، الجار، في فتنة تاريخية لم يشبعوا منها منذ أكثر من ألف عام..! لم تبك نساءُ شعبٍ في الأرض كلها كما بكت اليمنياتُ على أقاربهن. واستقرئوا كل حروب الإنسانية وصراعاتها عبر التاريخ فلن تجدوا للحالة اليمنية نظيرًا أبدًا.

يقول يحيى حسين الرسي، إمامُهم الأول شعرا:

الطعن أحلى عندنا من سلوة

كر الجوامس حين طال ظماها

والروس تُحصد بالسيوف ألذ

من بيضاء ناعمة تجر رداها

 

ــ لم يتشرد شعبٌ في التاريخ كما تشرد الشعبُ اليمني. هلكت أرواح اليمنيين في البر والبحر والجو وهي تبحث عن مأوى آمن، ولقمة عيش كريمة، وقد سطت الإمامة على أرضهم وصادرت ممتلكاتهم. وسلوا هضاب شرق افريقيا الداخلية كم ابتلعت سهولُها وأنجادُها من أرواح في النصف الأول من القرن العشرين. وسلوا أرض الصين والهند واندونيسيا كم شردت الإمامةُ من اليمنيين إليها أثناء حكم آل القاسم؛ بل وسلوا أمريكا والغرب كله عن هجرات اليمنيين وغربتهم وعن مآسيهم الدامية منذ عقود طويلة من الزمن وإلى اليوم..! واقرؤوا إن شئتم "يموتون غرباء" لمحمد أحمد عبدالوالي، أو غريب على الطريق لمحمد أنعم غالب. واقرؤوا "غريبان وكانا هما البلد" للبردوني، و"البالة" لمطهر الإرياني؛ بل واقرؤونا نحن اليوم صفحاتٍ ماثلة أمامكم؛ مشردين في أصقاع الأرض. في الخليج ومصر وأفريقيا وتركيا وبريطانيا وماليزيا والشام وكندا وكل دولة من دول العالم لا تخلو من يمني بئيس مشرد. والسبب الإمامة.

 

مذ جاءت الإمامة وحياة اليمنيين حرب، وحربهم حياة، بين كل معركة ومعركة، معركة ثالثة، وبين كل مأساة ومأساة، مأساة أخرى. بين كل قتيل وقتيل، قتيلٌ ثالث. نصِلُ الدمعة بالدمعة، والشهقة بالشهقة، والوجع بالوجع، والسبب الإمامة..!

مأساة اليمنيين لا تشبهها مأساة، وجع اليمني غير، ألمه مختلف عن كل الآلام. وجعٌ مركّب، وآلام مضاعفة، متألم في الداخل، متألم في الخارج. ووحدهم كرادلة الإمامة من يبنون القصور ويتلذذون برغد العيش.

 

لم تهدأ حياةٌ ليمني قط بسبب سرطان الإمامة، رئيس مغدور وآخر مشرد، تاجر مقتول وآخر منفي، سياسي معتقل وآخر نازح، مثقف مسجون وآخر ضائع، طفل يتيم وآخر عليل، مواطن مريض وآخر جاهل. والسبب الإمامة. هذه قصة اليمنيين، أنجال الملوك من قحطان، وهؤلاء أعداؤهم التاريخيين. والحال كما قال البردوني:

وتهنا وحكامنا في المتاه

سباعٌ على خطونا حوّم

فهم يقتنون ألوفَ الألوف

ويعطيهم الرشوةَ المعدم

ويبنون دُورًا بأنقاض ما

أبادوا من الشّعب أو هدموا

أقاموا قصورًا مداميكها

لحومُ الجماهير والأعظم

أخي إن أضاءت قصورُ الأمير

فقل تلك أكبادنا تُضرم

 

تلاشى أعداء اليمن التاريخيون والطارئون، ووحده العدو الإمامي باقٍ بينهم، ينخر عظامهم ويستنزف دماءهم، لم يتوقف يوما ما عن مكره وخبثه وتدميره.

تشترط كل دساتير العالم وقوانينه فيمن يترشح لرئاسة بلاده أن يكون من أبناء ذلك الوطن، إلا في اليمن فممنوع على اليمني أن يحكم أرض آبائه وأجداده..!

ليس ذلك فقط؛ بل ــ وحسب السفاح عبدالله بن حمزة ــ:

أمَّا الذي عند جدودي فيه

فيقطعون لسْنه من فيه

ويُيتّمون ضحــوة بنيــه

إذ صَار حق الغير يدعيْه

وحق الغير المقصود به هنا هو حقهم في الإمامة التي يعتبرونها من حقوقهم الخاصة التي لا ينازعهم فيها أحد..!

 

ما يزيدُ عن ألف عام، لم تشهد اليمن فيها حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي إلا في النادر اليسير جدا، بسبب فوضى النظرية وجنون تعاليمها، وتكاد حياة اليمنيين مع هذه الجماعة أن تكون حربا، فيما حربهم معها حياة. في حالة من المد والجزر، لم تنته معركة إلا لتبدأ أخرى، ولم يسقط إمام إلا ليقوم بدلا منه إمامٌ آخر.

التعليقات 0:

تعليقك على المقال