تفاصيل المقال

ذو المهلة الثانية لا القادسية الثالثة

ذو المهلة الثانية لا القادسية الثالثة

موسى قاسم

موسى قاسم

 

يُطلق الكثير من اليمنيين وصف "القادسية الثالثة" على المعركة التي يخوضها أقيال اليمن اليوم ضد العصابات الهاشمية المتوردة المدعومة من العدو الفارسي، هذا الوصف بعيدٌ كل البُعد عن حقيقة المعركة الوطنية الراهنة، سواء من حيث الهدف الوطني الذي يقاتل تحت رايته المقاتل اليمني أو من حيث انتماءات المقاتلين في المعركة وهم دون شك يمنيون أقحاح من صُلب الأرض اليمنية.

 

معركة القادسية التي اندلعت سنة 636م كانت محركاتها دينية لا سياسية، إذ كانت -المعركة- في ذروة الفتوحات الاسلامية لكل البلدان المحيطة بالجزيرة العربية، فيما معركة ذي المُهلة التي خاضها أقيال اليمن سنة 631م كانت دوافعها وطنية قومية يمنية، هدفت لمقارعة المحتل الفارسي وطرده من اليمن، لاسيما بعد أن حاول الفُرس إيجاد مشروعية دينية للحفاظ على وجودهم الاحتلالي لليمن وذلك بدخولهم الإسلام في بواكير بزوغه، بهدف قطع الطريق أمام اليمنيين الذين وجدوها فرصة لطرد الفرس من بلادهم، وتسنّم حكمها كما حكمها أجدادهم ملوك سبأ وتبابعة حم ير.

 

ثورة ذي المهلة كانت الثورة القومية اليمنية الأولى، التي حاولت ترميم أواصر النسيج القومي اليمني بعد تهتّكها، وتوحيد أيادي سبأ بعد تفرّقها، إذ كان الأقيال الثوار يمثلون إقليم اليمن التاريخي وكل قبائله، من حضرموت وعسير ونجران ومأرب وتهامة وفيها قبائل مذحج عامة ومراد خاصة وكندة وحم ير وهمدان وغيرها، وهذا دليل واضح على أنه ورغم حالة التفكك المجتمعي الناجم عن غياب الدولة اليمنية القومية، أثبت هذا الإلتفاف الوطني حول الثورة من كل أقاليم اليمن أن اليمنيين أمة واحدة بإنسانها وجغرافيتها، وأن روح الانتماء القومي الوحدوي تظل خامدة تحت الرماد، لكنها سرعان ما تشتعل مع كل دعوة وطنية جامعة، تسعى للملمة الصفوف وإعادة الاعتبار للذات اليمنية، وإقامة الدولة القومية المستقلة.

 

صحيحٌ أن اليمنيين في معركة القادسية كانوا عماد الجيش الذي أسقط امبراطورية الفرس، وكان الكثير من قادة ثورة ذي المُهلة قادة في معركة القادسية، أمثال القائد العسكري لثورة ذي المُهلة قيس بن مكشوح المرادي والقيل عمرو بن معدي كرب الزبيدي والقيل الأشعث بن قيس الكندي وغيرهم، وحتى أن بعضهم كان يقاتل الفرس وفي ذهنه معركة ذي المُهلة التي خاضها في صنعاء، كما عبّر عن ذلك شعراً القيل قيس المرادي إذ يقول:

جلبتُ الخيل من صنعاء تردى

بـكـل مـدجج كـالليث سـامي

وجـئـنَ الـقادسية بـعد شـهر

مـرشـقـةً نـواصـيها دوامــي

فناهضنا هناك جموع كسرى

وأبــنــاء الــمـرازبـة الــطِـغـام

نــفـلّـق هـامـهـم بـمُـهَـنّداتٍ

كــأن فـراشـها قـيـض الـنعام

فـلـما أن رأيـت الـخيل جـالت

قـصدت لموقف الملك الهمام

فـأضرب رأسـه، فهوى صريعًا

بـسـيـفٍ لا أفـــلَّ ولا كُــهـام

 

ورغم حضور تبعات معركة ذي المهلة في أذهان الأقيال الذين أسقطوا عرش الفُرس، إلا أن الهدف العريض لمعركة القادسية كان نشر الإسلام، وهو -قطعاً- على عكس ما يدور اليوم على الأرض اليمنية، والمشابه تماما لمعركة ذي المُهلة بهدفها الوطني الخالص، تلك الثورة التي خاضها اليمنيون ضد المحتل الفارسي، ومحاولة شرعنة وجوده برداء ديني، وهو ذات المحرّك الوطني الذي يقود أقيال اليمن اليوم في استعادة دولتهم من أيدي الغزاة، فُرساً وأذيالهم الهواشم، بمشروعهم الاحتلالي الجديد المتخفي تحت يافطة "التشيع ومحور الممانعة".

 

هذا الربط التاريخي الوطني هو ما نحتاجه اليوم لمواجهة الصورة الجديدة للغزاة، وترسيخه في الوعي الشعبي الجمعي، والعمل على موْطنة القضية اليمنية بهدفها الوطني السامي، استناداً إلى تراكماتها التاريخية الممتدة، فالأعداء هم الأعداء، والأمة اليمنية لاتزال متمسكة بعروتها القومية الوثقى، رغم كل محاولات فصمها عنها من قبل الدخلاء قديمهم وجديدهم، وما معركة #ذي_المهلة_الثانية التي يخوض غمارها أقيال اليمن اليوم إلا آصرة تاريخية لأحداث وطنية متسلسلة، ببعدها القومي اليمني الضارب في أطناب الروح النضالية اليمنية.

التعليقات 0:

تعليقك على المقال