إطلالة على الجزء الثالث من مذكرات الإرياني
مروان المنيفي
الجزء الثالث من مذكرات الرئيس الثاني للجمهورية العربية اليمنية، ليس كالجزء الأول والثاني، فهذا الجزء ينطق من على هرم ورأس السلطة بأحداث ربما لم يقلها غيره ولم يصرح بها، مع أن هناك من يشكك في تعرض الجزء الأخير للحذف.
تفرغ الرجل تماماً بعد استقالته من الرئاسة للكتابة في دمشق، إذ نجد إلماحات توحي أن كتابة الجزء الثالث كان في عام 1975 وبعض منها كان تدويناً يومياً.
عن فترة حصار السبعين يقول الإرياني ان الفريق العمري وقوات الصاعقة والمظلات كانوا شديدي الاستياء من النعمان وابنه وينالون منهما بخصوص استقالته وتصريحاته المعبرة عن هزيمة في وسائل الإعلام اللبنانية وأن من يقاتل في صنعاء هم الشيوعيون.
بخصوص القبائل فالنظرة والموقف دائماً ما يعبر عنه من أنها "خائبة لا هم لها إلا ابتزاز أموال الدولة بدون عمل، وإذا استبعدناهم جاءتنا المشاكل وإن زدنا في عطائهم زادوا في أطماعهم" ، ولهذا اصطدم طوال سنوات حكمه بالقبيلة، بل كان راضياً وداعماً لسياسة حكم وتوجه خلفه "إبراهيم الحمدي".
في الجزء الثالث تبدو حكاية هروب الضباط الكبار مستعصية على الفهم وتاريخ حدوثها في آخر أيام فك الحصار فرسالة الفريق العمري للإرياني أن الضباط نزلوا الحديدة دون أوامره فراراً من المعركة مرفقاً معها استقالته من القيادة العامة، و بالعودة إلى الكثير من الشهادات نجد أن لا حضور لهؤلاء في فترة الحصار كضباط كبار في سير العمليات موزعين على المحاور القتالية في العاصمة، وإن تم تدبير أمر سفرهم إلى سوريا لطبيعة ارتباطهم بحزب البعث.
كانت أحداث مارس 68 مبتدأ الانقسام داخل نواة المؤسسة العسكرية، فقوات الصاعقة والمظلات - كما يقول صاحب السيرة الذاتية - لها روابط بالنظام في الجنوب من خلال الدعم بالأسلحة والتوجيهات السياسية للنظام في الشمال، يصفهم "دولة داخل دولة" وهم يصفونه والعمري والمشائخ "إقطاعيون متخلفون من العهد البائد".
مثل لقمان الحكيم يظهر الإرياني دوره قبل أيام من اشتعال أحداث اغسطس، راوياً لنا حديث جرى مع عبدالرقيب عبدالوهاب كونه كما يقول الُمسيِّر للطرف المعارض لتغييرات العمري الذي قدم استقالته وحاول تفادي الأحداث، داخل الوحدات العسكرية "وكان الغرور والدافع الحزبي ملأه في الوثوق من إحراز النصر والاستيلاء على الحكم، وكأنه أراد أن يطمئنني على المنصب الذي أشغله فقال: إنك ستظل رمزنا سواء خسرنا أم كسبنا.
من الصعب ان نقتبس حوار طويل لكن كان جواب عبدالرقيب بسحب قواته إلى الجنوب والتمركز في مناطقه، ورد الإرياني ماكر في تذكيره أن القبائل ستتداعى عليهم طمعاً في السلاح. (ص 117-118)
بالمقابل تدافع المئات من عدن إلى تعز مئات الضباط من الجيش والأمن في الجنوب إثر استيلاء التيار اليساري على الحكم، ولم يُقبل لجوؤهم إلا بعد إعادة الأسلحة والسيارات إلى عدن على أساس أن تصنع نفس الشمال في قبول الضباط القادمين من صنعاء واعادة أسلحتهم، وتم هذا الشيء من خلال ابراهيم الحمدي وكيل وزارة الداخلية، ويبدو الحمدي في هذا الجزء ديناميكاً في حضوره وتحركاته.
يظهر العقيد يحيى المتوكل كضابط اتصال بين صنعاء والرياض في استيعاب الطرف الملكي للحكم المقترن بالاعتراف بالجمهورية وعدم عودة بيت حميد الدين، والمتوكل هنا هو ممثل للتيار الهاشمي من الضباط في ثورة سبتمبر في حين يكون رفض وقلق البعثيين من هذه الخطوات لأن طرفاً قادماً سيأتي لأخذ نصيبه، فتحالفهم مع القوى القبلية كان مؤقتاً في رفض الوجود المصري وإزاحة اليسار.
حين قررت السعودية اعترافها بالجمهورية واستقبال الوفد اليمني أوصاه الإرياني بتجنب التطرق لملف الحدود والتأكيد على الالتزام بالاتفاقيات السابقة بين النظام الإمامي والسعودية، و هذا السبب الرئيسي المؤكد في الإطاحة بالإرياني.
لكنني أتساءل هل أعفى الإرياني نفسه من تدوين أكبر ما كان يصله عن دسائس أحمد الشامي وتوعده في المجالس بعودة الإمامة واثارة الخلافات بين الضباط، وهذا ما نجده في مذكرات سكرتيره يحيى الكوكباني التي تنضح بفصلين كاملين عن الشامي و انتقاماته سياسةً وشعراً.
تتعاقب الحكومات في عهد الإرياني ولا يكاد لواحدة منها الاستقرار لعام واحد أو حتى شهور، فهذا الفريق العمري دامت وزارته أسبوع وحين وقع في حادثة قتل الحرازي بعد تشابك خطوط الاتصال جرده الإرياني من مناصبه وانتهت القصة بخروجه من اليمن، ولا يبدو الأمر تدبيراً منه بقدر ما كان فرصة استنتحها لإزاحته خصوصاً أن العمري كان يتهيأ للإنقلاب.
أما الشامي صاحب رياح التغيير في اليمن فالجزء الثاني من مذكراته مهيأة للطبع وهي على تأخرها سيكون اكتمال الصورة من وجه نظر واحد من أقطاب الإمامة الذي خرج من اليمن مُبكراً منشغلاً بالعمل الدبلوماسي والتجاري.
التعليقات 0:
تعليقك على المقال