قراءة في كتاب مسند الاقيال تأليف القيل الدكتور علي البكالي (1).
لمياء الكندي
د. لمياء الكندي
في معرض تقديمه للكتاب يرى الكاتب القيل الدكتور علي البكالي ان كتابه هذا رسالة فلسفية تهدف الى رسم خطة معرفية لكسر اغلال الثقافة الاستلابية، وفتح أبواب الإدراك المعرفي أمام حالات التجريف التاريخي الممنهج للهوية والذات والمستند الحضاري، التجريف الذي لحق بالأمة اليمنية طوال ما يربوا على 1500 عام من عمر التراجع والانكسار.
إذا نحن امام كتاب فلسفي ورصدي نقدي مقارن لحركة التاريخ والصيرورة التي تستدعي التأصيل لهذه الفترة، فترة ظهور القومية اليمنية اقيال وتزايد انتشارها المصحوب بتزايد الجدل حولها، ليشكل إصداره هذا بعنوان " مسند الاقيال"، محاولة شارحة لحركة الانبعاث القومي والاستناد الى روح الهوية التاريخية والحضارية لليمنيين.
وفي سياق تعريفه للقومية اليمنية يرى الكاتب بان القومية اليمنية ليست ظاهرة حديثة، من نتاج صراعات أيديولوجيا العصر الحديث، انما هي امتداد تاريخي للحضارة اليمنية الأولى في لحظة التكوين التاريخي الأول.
ويناقش الكاتب العمق الحضاري لليمنيين كأمة، على اعتبار ان اليمن كانت اول وجود تاريخي للعرب قاطبة، كون جميع القبائل العربية تفرعت منها، وان الحديث عن الامة اليمنية ليس من قبيل المنافسة مع الامة العربية، او الانفصال عنها، بل لإعادة الاعتراف باليمن كوجود اولي تاريخي مؤسس للوجود العربي.
وسعى الكاتب الى اثبات العامل القومي المرتكز على السمات الحضارية لليمن كمنطلق نحو المستقبل، وان التجربة القومية للامة اليمنية قد اثبتت حضورها التاريخي وتشكلت من خلالها الدولة اليمنية القديمة، وان عوامل انكسار لهذه الدولة كانت مصحوبة بالتهديد الخارجي الذي ترصدها، فالدولة المذهبية و الطائفية والجهوية التي ظهرت في اليمن منذ القرن الثالث الهجري وحتى هذه اللحظة سعت الى بناء دولة وفق مقاييسها الوافدة ولم تسهم في بناء الدولة، بقدر كونها كسلطات حرب وصراع طائفي ومذهبي ومناطقي لم يكتب لها الاستقرار بل كانت واجهة لصراع دائم بين ممثلين السلطة والمجتمع.
ان حالة اللادولة والغربة التي عاشها اليمنيون في وطنهم جراء التجريف التاريخي الذي تعرضت له الهوية اليمنية يحتم بالضرورة ضخ الروح اليمنية القومية للثقافة الحاكمة والمجتمعية كنوع من اشكال النجاة، ويعتبر حراك القومية اليمنية اقيال أحد أبرز تيارات الانبعاث القومي في الوقت الراهن للتخلص من حالات الصراع الهوياتي الذي خلقه التسلل السلالي ومحاولة سيطرته على اليمن.
وفي اطار التعريف بتيار القومية "اقيال"، يذهب الكاتب الى الحديث عن الرموز التاريخية المشكلة لشخصية اليمنية، وهي بمجموعها تمثل عددا من الشخصيات التاريخية التي عرفت بمقاومتها للمشاريع الفارسية التسلطية على اليمن قديما وحديثا، إضافة الى قادة اليمن المشاركين في حركة الفتوح الإسلامية وانجازهم الحضاري في مواطن الفتوح.
كما اعتبر الكاتب المشاركين في ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وأسهموا في اسقاط النظام الكهنوتي رموزا من رموز القومية اليمنية يضاف إليهم اليوم كل يمني يقاوم فكرة العنصرية السلالية ويعتز بهويته وتاريخه وانتمائه الحضاري لليمن ارضا وانسانا.
ويعتبر الكاتب جميع المصادر التاريخية التي تعبر عن فكرة الاقيال مرجعية فكرية تحدد مسار توجههم، ومنها على سبيل المثال كتاب الاكليل لابي الحسن الهمداني، ونشوان الحميري، والادبيات الشعرية التي خلفها شاعرا اليمن الزبيري والبردوني، إضافة الى تلك الكتابات التي اجتهد في كتابتها المؤلفين والباحثين المعنيين في الشأن اليمني، وكل من أسهم في عملية التحرر الفكري والثقافي المناهض لجذور التخلف الكهنوتي.
وفي الفصل الثاني من الكتاب يتطرق الكاتب الى مناقشة الوجود القومي لليمنيين والشخصية التاريخية.
ناقش من خلالها حيثية العلاقة بين الماضي والحاضر ودورة في تشكيل شخصية الفرد، فرفض بالجملة مبدئ الوجودية النفعية الشائعة في الثقافة الغربية التي ترفض نظرية التطور الاجتماعي، فينكرون تأثير الماضي بالحاضر والمستقبل، كون الحضارة الغربية لم تأتي من فراغ وانما كانت نتاج حركة تاريخية افرزتها وتشكلت من خلالها هوية الانسان الغربي اليوم.
وأسقط الكاتب الظروف الحالية التي تمر بها اليمن كنوع من أنواع التراكم والترابط بين العقلية السلالية وماضيها الذي شرع لها اليوم الانقلاب على الدولة.
واعتبر محاولة العودة للتاريخ السلالي الكهنوتي تحديا حضاريا لليمنيين اليوم يستوجب منا بعث الروح الحضارية لليمن لتقاوم حالات الاستلاب الثقافي والسياسي وتحرر الشعب اليمني من العبودية للسلالة الكهنوتية.
ويفرق الكاتب بين الهوية القومية الغربية الحديثة وبين الروح القومية كقانون تاريخي مؤسس للوجود الحضاري للأمم، فالفرق واضح بين القومية كروح تاريخية ملهمة للذات الحضارية والاستقلال السياسي للمجتمعات والأمم وخاصة تلك التي تعرضت للاستلاب الحضاري كما هو حاصل معنا اليوم وبين القومية كنزعة أيديولوجية تولدت من صراعات النخب الدفاعية، فالقومية روح حضارية وليست أيديولوجيا سياسية.
وناقش الكاتب النزعة القومية الاستقلالية لليمنيين الرافضة للتبعية الفارسية ونظرية الحكم القرشية مشيدا بثورة اليمنيين ضد الوجود الفارسي في اليمن ابان العصر الإسلامي الأول، والى طبيعة الدور التاريخي الذي قام به اليمنيون المشاركون في حركة الفتوح الإسلامية ذلك الدور المستند على البعد الحضاري المكون للشخصية اليمنية التي عكست الروح القومية في تكوين حضارة عالمية اعتمدت على الانتشار والغزو والفتح والهجرة وتكوين المدن والحضارات البعيدة كجزء من المهمة التاريخية للروح القومية للامة اليمنية الأولى….يتبع
التعليقات 0:
تعليقك على المقال