تفاصيل المقال

عن الأقيال مجدداً.. حلم اليمنيين المنتظر.

عن الأقيال مجدداً.. حلم اليمنيين المنتظر.

منتدى معد كرب القومي

منتدى معد كرب القومي

 

 

محمد المياحي

 

أريد أن أقول فكرة عن الأقيال، تفهمها أمي كما يجد فيها دكتور جامعي معنى واضحا ومهما، بوسعك شرحها لسائق الباص في الوقت الذي تلفت نظر "أندرسون بندكت" -صاحب الكتاب الشهير "الجماعات المتخيلة"، والقومية فكرة متخيَّلة بالطبع.

 

إنها ليست فكرة نخبوية تقتضي طبيعتها بقاءها مرمّزة بلغة تستعصي على الفهم. هي فكرة لكل الناس ونشاطٌ يمّس مصير كل مواطن في هذا البلد، ويجب أن تصل إليهم جميعا بشتّى الطرق الممكنة.

 

في البدء، لا يمكنك أن تسأل أمريكياً لماذا هو أمريكي؟ ومثله التركي والفرنسي، وحتى الإيراني، سيجيبك: إن هذا ما أنا عليه، أي ما أعْرِف به نفسي، وما أُعرفها به، فكرتك الداخلية عن ذاتك أساسك الجذري قبل كل ما جاءك من خارجك، وتلك هي القومية اليمنية، مسعى لبناء أمة مواطنية حديثة. يقول عزمي بشارة: "القومية الحديثة، منظورا إليها من الداخل: هي دولة تسعى لمجتمع مدني ومواطنة حديثة، أي بلا تميّزات، وهو ما ينفي فكرة العرقية البدائية عنها. ومنظورا لها ومن الخارج: هي دولة قومية تمتاز بكيان محدد ومتفاعل مع العالم انطلاقا من أرضيتها الخاصة". أي أمة يمنية بملامح مائزة، ولها تعريف واضح أمام الآخر.
 
ويضيف: "لقد نجحت كل الشعوب في بناء قوميتها، نجحت أوروبا في بناء دولتها الحديثة، وقبلها كانت قد نجحت في تأسيس أمتها القومية، باستثناء العرب، ونحن منهم". وإذا ما سألت مثقفا يمنيا حقيقيا، ما جوهر مشكلتنا الجذرية في اليمن..؟ سيجيبك، ب: أننا لم ننجح بعد في صناعة هوية يمنية جامعة، وبمعنى آخر، لم ينجح اليمنيون في اكتشاف قوميتهم الجامعة، وتقرير مصيرهم كأمة واحدة، وريما لم يتح لهم بعد هذا الحق حتى اللحظة.

 

إن وجود تيار قومي كالأقيال يطرح المشترك الثقافي الجامع، ويُلح عليه، ويعارض التجزئة، كما أنه يُقدّم بدائل ديمقراطية ويندمج في الحركة الثقافية للمجتمع، هو الضمانة الوحيدة لمنع تسيّد الفكرة الطائفية، أو الانتماءات الجزئية للأمة اليمنية. هذا هو الهدف الغائي للأقيال، وعلى وضوحه وبساطته، هناك من لم يستطع فهمه، وتحديدا من يهرولون لتشويش فكرة الأقيال بدعوى الحياد المعرفي والنقد الموضوعي لها.

 

لا أجد مبررا في نقد الأقيال وتحميلهم كل تلك الأفكار من خارجهم، ليس لكونهم فوق النقد؛ بل لأن جوهر الفكرة لا تستدعي ذلك. يُمكنك تصويب بعض السلوكيات، أما معاداة الفكرة بمجملها فهو موقف عدمي يفتقد لأي مسوِّغ نظري أو دافع ثقافي معتبر.. إذ لا يمكنك أن تستجوب يمنيا، وتحاسبه، لماذا هو يمني، والدلالة ذاتها مماثلة، لو قلت له: لماذا تنتمي للقومية اليمنية؟ ولماذا ترفع شعار الأقيال؟ بهذه الحالة أنت تشكك بحقه في الوجود، ولا تحاول تمحيص انتمائه.

 

قرأت كل ما كُتب عن فكرة الأقيال مذ بدأ نشاط هذا التيار حتى اللحظة، وأكاد أقول جازما، إن كل الملاحظات التي صادفتها عن الأقيال -أقول كلها بلا استثناء- لا تنطلق من جوهر الفكرة القومية، ولا تتأسس على أرضيتها النظرية، بعضها انتقادات تتعلق بسلوكيات هامشية، وبعضها تناقش جزئيات عابرة ومفهومة، ويمكن الوصول لتسوية بشأنها، وكثير منها مواقف وانطباعات مسبقة لم تبذل أدنى جهد معرفي لتأسيس موقف نقدي معتبر تجاه الأقيال، (القومية اليمنية) انطلاقا من خلفيتها النظرية، ومدوّنتها السلوكية قيد التشكّل.

 

ليست القومية فكرة صنيمة متعالية عن النقد؛ لكنها أيضا ليست أيديولوجية مملوكة لأحد وتستدعي مناهضتها، القومية ليست أيديولوجية، ليست أيديولوجية ولا بأي معنى من المعاني، وتلك فكرة مكررة، لكنها أولية وجوهرية، يتوجّب أن تظل شاخصة عند أي موقف نقدي للأقيال، إنها ليست تيارا سياسيا ذو توجّه فكري محدد. القومية نشاط عمومي وثقافي حر، هدفه الأساسي والأوحد تمهيد الذهنية العامة لفكرة مركزية تتمثل في: إعادة تأسيس الأمة اليمنية الواحدة.

 

لقد فشلت الدولة القُطرية الوطنية في مشروع بناء الأمة/ الدولة، ومنذ خروج المستعمر من بلاد العرب، لم تتمكن الأنظمة، التي ورثتها من تثبيت فكرة المواطنة، وفي صراعها مع الكيانات الطائفية والعشائرية والمناطقية والعرقية، نجحت هذه الكيانات البدائية من تقويض الدولة. وهنا يبرز سؤال كبير: لماذا فشل مشروع الدولة الوطنية القُطرية..؟ والجواب: لأنها لم تنجح في بناء الأمة أولًا. إذ لا يمكنك أن تنجح في دمج سكان بلد، وتصهرهم دونما أساس هوياتي جامع، ولا يوجد أساس أولي وجذري يصلح لهذه المهمة مثل مفهوم القومية بمعناها الحديث.. وفي حالتنا اليمنية، تبرز فكرة الأقيال كحامل لهذا المشروع؛أي مشروع بناء الأمة اليمنية الجامعة. لكأنها تقوم بالمهمة الجذرية التي فشلت الدولة الوطنية المتداعية في إنجازها.

 

باختصار: إذ كان هناك من تعريف مبسّط لحركة الأقيال اليمنية: فهي حركة قومية حديثة تهدف إلى تأسيس مشترك ثقافي جامع. وحديثة هنا لا تعني حداثتها الزمنية على اعتبار توقيت نشوئها في اليمن، بل حداثة مفهوم القومية، وما ينبثق عنه كرؤية عامة. ولعلّ أكثر ما يخلق سُوء فهم تجاه حركة الأقيال اليمنية هو ما يتبادر آلى الذهن بخصوص "تيارات القومية العربية المتهلهلة" كنتيجة للميراث السياسي للقوميين العرب، وتحويلهم القومية إلى إيديولوجيا سياسية متعصبة وهزيلة وشعارات فارغة، أعاقت عملية تحديث المجتمعات العربية ودمقرطتها. وهنا تكمن المشكلة الثانية.

 

هناك خلط نظري دائم التكرر، بين القومية العربية كتيارات سياسية ظهرت في الحقبة التالية لخروج المستعمر، وبين القومية كمفهوم حديث ومؤسِس ولازم لنشوء الأمة/ الدولة.
 القومية كتيار سياسي معروف في العقود الماضية بكل ملاحظاتك عليها -ومعك حق بذلك- والقومية الجامعة كهوية ثقافية وتاريخية عمومية لا يصح تأطيرها ؛ بل هي ما تؤطر الوجود العام لأي أمة من الناس، وتخلق الأرضية الصالحة لتأطير التعددية داخل الشعب والدولة.

 

أي أن القومية بمفهومها الحديث هي شرط أساسي لتخلق فكرة الأمة اليمنية الواحدة، وحقها في التحول لدولة ذات سيادة، بدون مفهوم القومية الحديث لن يكون بمقدورنا ادّعاء وجود أمة يمنية، وما يستتبعه من حقها الطبيعي في تأسيس دولتها الحديثة.
 وعليه ففكرة القومية هنا هي فكرة متخيَّلة، بحسب "أندرسون بندكت" أي افتراض وجود أصل جامع ومشترك ثقافي / وحضاري، والاشتغال عليه، بهدف تنشيطه وتعميمه ليغدو بمثابة لافتة عريضة وعنوان جامع يحتشد حوله مواطنو هذا البلد، ويلملم انقساماتهم.
 الأمر ذاته هو ما يمثل جوهر نشاط حركة الأقيال اليمنية اليوم، كمحاولة لمنع تداعي الأمة والدفع باتجاه تثبيت فكرة الدولة بالوقت نفسه.

 

من زاوية أخرى، ولعلها الزاوية الأهم تلك الفكرة المتمثلة بعلاقة القومية بالديمقراطية والقيم المنبثقة عنها، وهنا تحديدا لا نقول إن القومية بمفهومها الحديث غير متناقضة مع الديمقراطية والمواطنة، فهذا أمر تحسمه الخلفية النظرية للفكرة القومية؛ لكن هناك ما هو أهم، وهو أن تجربة الدولة الوطنية القطرية أثبتت أن تأسيس الديمقراطية لا يغدو ممكنا دون استكمال بناء المشترك القومي، لا يمكنك تأسيس تعددية ديمقراطية في بلاد منقسمة لولاءات طائفية ومناطقية وعقدية، وعليه فالقومية هنا "هي الصمغ الأساسي اللازم لتجاوز الشروخ الوطنية والتمهيد لدولة المواطنة" والتعبير السابق، منسوب لعزمي بشارة أيضا.. تلك هي القومية اليمنية لمن يرغب أن يعثر على مفهومها بشكل مبسط. بعيدا عن الحمولات النظرية التي يستدعيها بشكل قسري، ودونما مبرر، سوى جهله بفكرة القومية أو رغبته بسحبها نحو منحدرات نظرية لا صلة بينها وبين القومية كما تتحدث عن نفسها، وكما تثبته المؤلفات النظرية الحديثة بهذا الشأن.

التعليقات 0:

تعليقك على المقال