كَهَنَة الجوْر (عهد الفوضى من 413هـ- إلى 439هـ).
منتدى معد كرب القومي
من كتاب "الكهنة" للإكليلة لمياء الكندي
بعد أن تمكنت القبائل الهمدانية من قتل الكا. هن الحسين العياني سنة 413هـ، وهو الذي ادَّعى أنه المهدي المنتظر، وأنَّ كلامه أبهر من كلام الله تعالى، وأنه أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعترف جماعه من شيعته بمن فيهم أخوه جعفر بمقتله، فانتشر بين من يدّعون أنهم أشراف اليمن من السلاليين العلويين مذهب جديد عرف أصحابه بالحسينيين نسبة إلى مدَّعي المهدية الكاهن حسين بن القاسم العياني!!
كان لادعاء الكاهن جعفر بن القاسم وغيره من الحسينيين أنَّ الحسين بن القاسم لم يمت، أثره على عدم تمكين الكاهن جعفر بن القاسم أخاه من إعلان نفسه إماماً كي لا يناقض نفسه وينسف خرافته، لذا اكتفى بإعلان نفسه محتسباً ونصب نفسه أميراً على اليمنيين لا إماماً! وكان لهذا الموقف أثره على نظرية الفقيه الولي في إيران وكلها تؤكد كذب التشيع السياسي واستناده على الخرافة الكهنوتية هنا وهناك.
لم تختلف المرحلة التي تلت مقتل الكاهن الحسين العياني في أحداثها مع المرحلة التي سبقتها بل كانت أشد سوءا، ولعدة سنوات كانت الحروب وانتشار الفقر والأمراض والأوبئة والفوضى والفتن أمراً يعكس سوء الأوضاع السياسية والاجتماعية التي وصل إليها اليمنيون في ظل سلالة الكهنوت، ونتج عنه أيضاً أن تركت صنعاء لفترات عديدة من دون قائد أو أمير أو إمام يحكمها، وإذا وُجد فالحروب والصراعات المحيطة به تكون عنوان المرحلة.
استمر النزاع بين الأمراء والقادة المحليين من بني الضحاك والقبائل الهمدانية والخولانية وبني شهاب وغيرهم على إمارة صنعاء فكانت هذه الفترة فترة نزاع وانقسامات وفوضى عارمة، أكثر منها فترة استقرار فلم تدم بها حكومة، ولم تقم فيها سلطة مستقرة مدة تزيد عن الثلاثين عاماً ظهر فيها العديد من الكهنة الذين ادَّعوا الامامة، وتنازعوا حكم صنعاء.
ففي سنة 413هـ، كان جعفر بن القاسم العياني قد عاد إلى عيان فاستدعته القبائل الهمدانية من جديد، فدخل صنعاء وبعد إقامة قصيرة فيها عاد إلى صعدة، وفيها ارتكب جرائم الإمامة المعهودة فخرّبها ونهب دورها، وقتل الكثير من أهلها، وفي سنة 415هـ، عاد جعفر بن القاسم إلى صنعاء بعد أن كان قد امتنع عن دخولها من قبل.
استمرّت الحروب بين القبائل اليمنية المتنافسة على السلطة والسيادة مما أضعف كل الأمراء القائمين في صنعاء وما حولها، إلى أن ظهر سنة 418هـ مدَّعٍ آخر قرر أن يحجب اسمه عن الناس مشيعا أنه لن يظهره حتى تبلغ رايته المشارق، وعرف بـاسم "عبدالله المعيد لدين الله الناعطي" نسبة إلى ناعط وهي المنطقة التي أظهر فيها دعوته!.
وفي ظهور الكاهن الناعطي بهذه الصفة التي لم يسبقه إليها أحد من مدَّعي الإمامة إشارة لحالة الجهل والزيف والانحطاط الذي أوصلت هذه السلالة العلوية الكهنوتية اليمنيين إليه، ويُعدُّ مؤشراً خطيراً على مدى التأثير الذي تركه مدَّعو الإمامة على أبناء اليمن بحيث صارت دعاوى الإمامة والسيادة متاحة لكل عابث وكل سفيه مجهول وكل دعي مجهول النسب، فمنحوا لأنفسهم الحق في حكمنا من دون أدنى تكليف أو شعور بالحرج، فلا غضاضة لديهم من امتهان هذا الشعب وقبائله، وقد سخروا جهودهم قروناً طويلة لتجهيل واستعباد والتنكيل بأهل هذه البلاد وبث سموم أكاذيبهم وطغيانهم في أرجائها.
فقد كاتب الكاهن الناعطي الأمراء والقادة باسم عبد الله، المعيد لدين الله، الدَّاعي إلى طاعة الله، الدافع إلى أعداء الله! وفي هذا الادعاء الحقير والوقح تمكن الناعطي من نشر دعوته والتغرير بالقبائل اليمنية، وتمكن من دخول صنعاء بمعونتها، وخطب له فيها سنة 418هـ، واستمر حكمه حتى سنة 421هـ، حيث تم قتله على يد أبناء القبائل تلك..
ظهر في رجب من سنة 426هـ، كاهن جديد مدعٍ للإمامة هو"أبو هاشم الحسن بن عبد الرحمن"، ومعه ولده الحمزة بن أبي هاشم، وهو الذي يجتمع إليه لقب الحمزيين، فدخل صنعاء وثبت فيها أمور دعوته وشيعته، وأقام فيها إلى سنة 429هـ، ليدخل إليها جعفر بن القاسم العياني مجدداً بتحريض ودعم من القبائل سنة 431هـ، واستمرت في هذه الفترة عهود الفوضى في صنعاء وجميع جهات اليمن؛ ليظهر من جديد مدَّعٍ آخر للإمامة هو الكاهن "أبو الفتح بن ناصر الديلمي" ولقبه ينبئ بفارسيته، فسار من همدان إلى صعدة فجمع عساكره وأخربها، وقتل من أهل خولان فيها مقتلة عظيمة، ووصل إلى صنعاء سنة 437هـ، وفيها استمال الكاهن جعفر بن القاسم العياني وعينه أميراً للأمراء في اليمن، ثم تآمر ابن أبي الفتوح ومعه الكاهن جعفر بن القاسم على الكاهن أبي الفتوح الديلمي فأخرج ابن أبي الفتوح وأبي حاشد عمال الكاهن وشيعته من صنعاء؛ ليخرج منها هارباً إلى الجوف ثم إلى بلاد عنس.
كانت الأحداث المضطربة في صنعاء وتحالفات القبائل مع غياب مشروع الدولة الجامع لها تقف مع كل من ادَّعى الإمامة ومشاركتها في حروبه التي لا تنقطع في سبيل خلع إمام وعزله. وتنصيب إمام وإظهار دعوته تسبب في ضعف السلطات في صنعاء التي تنازعها أمراء القبائل وأعيانها، وكانت هذه الظروف في جملتها مقدمة لظهور أولى الدول اليمنية المستقلة عن حكم الكهنة حيث مهَّدت الأحداث هذه لظهور محمد بن علي الصليحي وقيام الدولة الصليحية في اليمن التي يرجع بداية ظهورها إلى 439هـ، وهو ما سنتناوله تاليًا..
التعليقات 0:
تعليقك على المقال